الأخبار
“لا يعرف اليمني متى يحمل ما بقي من أمتعته البسيطة ليواصل شق طرق الارتحال مجددا متنقلا من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان والمأوى وما تيسر من الزاد الذي تجود به مخيمات النزوح يسد به رمق الجوع الذي يصرخ داخل الأجسام.” هكذا وصف الصحفي كنعان الحميري الصورة المحزنة لأبناء اليمن الذين اضطروا إلى ترك منازلهم نتيجة الخطر المهدد لحياتهم التي تتزعمها الألغام.
في خيمة قد لا تتجاوز أبعادها 3*3 متر يتكدس أفراد أسرة ملئت حياتهم بالبؤس والمعاناة. خيمة في أحيان كثيرة تنشأ من كومة خردة، عندما تراها تشعر أن مستعمرات من الحزن اجتاحت تلك البقعة: حزن جاثم وألم عاصف وحياة ممزقة.
عشرات القصص الإنسانية المأساوية للنازحين خطتها أيادي الإجرام التي أجبرت العديد من العائلات على ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى بحثا عن الأمن، بعد أن تعمدت تلغيم مساكنهم بنهج إجرامي يخالف جميع قواعد الحرب.
وتهدد الألغام الفردية المحرمة دوليا والعبوات الناسفة التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، والتي تنشرها الميليشيات بتعمد في مساكن مدنية، العودة الآمنة لآلاف المشردين إلى ديارهم التي ستبقى مرهونة بنزع هذا الوباء وتطهير القرى المحررة منها.
لقد ارتكبت الميليشيات منذ انقلابها على الشرعية العشرات من جرائم الحرب المنتهكة للقوانين الإنسانية، لكن تظل زراعة الألغام الأكثر إرهابا حيث تدمر الحاضر وتهدد المستقبل على المدى القريب والبعيد.
واستهدفت ألغام المتمردين المناطق الآهلة بالسكان في المدن اليمنية التي اجتاحوها. واعتلت محافظة تعز صدارة المدن المتضررة من الألغام من حيث أعداد الضحايا والمناطق المزروعة بالألغام وذلك حسب التقارير الحقوقية.
ولا تتورع هذه الميليشيا في زراعة الألغام بطريقة عشوائية في المدن اليمنية فحسب، بل تقوم بزرع ألغام مضادة للمركبات في المناطق الآهلة بالسكان في انتهاك صارخ لكل القوانين.
على واقع الظلام الذي نشرته الميليشيات، يعيش الإنسان اليمني حالة من الخوف والهلع من كمائن الموت التي تتربص به بعد أن نشرتها أيادي حفنة أتت من كهوف تحمل حقدا أسودا على الشعب اليمني.
“حدائق الموت” الموزعة في أنحاء متفرقة من التراب اليمني تواصل العبث بأجساد المدنيين وبقوتهم وبممتلكاتهم مساهمة بذلك في أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ونظرا لخطورة هذا العدو، يحتاج بلد ما للتخلص منه لأعوام طويلة خاصة إذا غابت الخرائط التي توضح أماكن وجود هذه العلب. الأمر الذي يجعل بعض تلك البلدان تكتفي بتحييد تلك المناطق كمصادر خطر ولا تستطيع الاستفادة منها، لكن الوضع في اليمن يختلف عن البقية باعتبار أن هذه الآفة تغطي أغلب مناطق هذا البلد المنكوب، فحولت مزارع البن إلى حقول ألغام والمراعي إلى مقابر للإنسان والحيوان على حد السواء والقرى إلى أطلال بعد أن هجرها سكانها.
إزاء هذا الوضع الكارثي، تحرك مشروع مسام بكل طاقاته لإنقاذ اليمنيين من شر هذا القاتل. فالكوادر السعودية والخبرات العالمية كرست مجهوداتها لإزالة الألغام بكافة أشكالها وصورها متحدية العراقيل والأخطار التي تواجههم.
وقد تمكنوا من إزالة 5932 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة خلال شهر يناير الجاري منها 1419 أثناء الأسبوع الرابع.
هذه الإنجازات التي يحققها مشروع مسام يوما بعد يوم ماهي إلا نتاج طبيعي للحس الإنساني الذي يتحلى به عاملو المشروع. فقد لامسوا وجدان اليمنيين وشدوا على أيديهم في الوقت الذي أدار فيه العالم ظهره لمأساتهم.