أطفال اليمن بين جحيم الألغام وعذابات اللجوء
الأخبار

كابوس الألغام يلقي بظلاله على واقع الأطفال ومخيلاتهم في اليمن، ونيرانها التي أفقدتهم الكثير من الأهل والأحبة والتي حرمت الكثير من أطفال اليمن أطرافهم وخلفت لهم عاهات متنوعة وحالات بينهم وبين مراتع الطفولة الخصيبة، مازالت تمثل لهم غصة تخنق واقعهم وتقبض على أنفاس آفاقهم.
الحرب والألغام جبهتان تحالفتا على هذه الفئة الهشة من المجتمع اليمني، وهو واقع دفع العديد من الأطفال اليمنيين للارتماء مع ما تبقى منهم ومن ذويهم في أحضان اللجوء طمعا في شيء من الأمن والراحة المفقودة بسبب الحرب وأجوائها الملبدة برائحة النقمة والموت، وسطوة الألغام التي زادتها كدرا ومرارة.
قصص عديدة لأطفال تفطر القلوب، فنصر الله فرحان البالغ من العمر 13 عاما وزميله ناجي 11 عاما نزحوا مع أهاليهم من منطقة حريب نهم إلى مخيم الخانق سابقا قبل دخول الحوثيين إليه وإحراقه ثم نزح الطفلان مع أسرهم إلى بير أبو لحوم بمديرية مدغل هربا من الموت وبحثا عن حياة آمنة.
فصول المأساة بدأت حينما خرج نصر الله بصحبة صديقه ناجي كعادتهم كل صباح في مهمة فرضها الواقع عليهم واعتادوا عليه وأصبحت جزء من حياتهم، إذ خرجا لرعي الأغنام بجوار خيمتهم التي نصبوها حديثا بمنطقة الرف بير أبو لحوم بمديرية مدغل غرب مأرب المأهولة بالسكان.
ولأن رعي الأغنام مهمة لصيقة بحياتهم وفسحة من نوع آخر بالنسبة لهم، يقضون معها يومهم بمرح وشغف طفولي يتملكهم في استكشاف كل ما يلفت انتباههم.
وهنا يروي ناصر فصول ما حدث معه “وقعت أعيننا على جسم غريب فطرقها رفيقي ناجي مرة وطرقتها مرتين حتى انفجر بنا اللغم وحينها لم نفقد الوعي بعد انفجار اللغم بنا وانتشار الشظايا على أجسادنا تمكنا من الذهاب بصعوبة إلى خيمتنا القريبة من مكان الحادثة وقام الأهل بربط جراحنا لإيقاف النزيف واسعافنا”.
في هذه الحادثة المؤلمة أصيب ناصر في يده وساقه بينما صديقه ناجي أصيب في أقدامه. كان هم ناصر في لجج جراحه ونزيفه أن لا تبتر قدمه وأن لا يخسرها إلى الأبد، حيث كان يعض على جراحه محاولا الإثبات للجميع أنه بخير ويستطيع المشي على قدميه.
صورة في غاية الصعوبة والمرارة فناصر المثخن بالجراح كان لا يفكر بشيء وهو يزف ويرى جراح أشلاء مفتوحة، سوى ثني أي نية لبتر قدمه، فهو كان يسمع من قصص من سبقوه للمأساة أن في غالب الأحيان تبتر أطراف ضحايا الألغام بعد تلفها تماما بسبب الحادث، لذلك كان يستميت من أجل المشي وهو ينزف وهنا لم يتمالك الطفل نصر الله دموعه وهو يروي قصته عن خوف والدته عند وصولها إليه ورؤيته ملطخا بدمائه، حيث قال “لقد خاف أهلي جميعا وكنت أراهم يبكون لحال”.
ورغم محاولة ناصر للتماسك والاستقواء على جراحه، إلا أن هذه الحادثة تركت له إعاقة مزمنة. واليوم اختار ناصر أن يرشد أقرانه من الأطفال في جميع المناطق التي لوثتها المليشيات بالألغام والعبوات الناسفة بعدم الاقتراب من الأجسام الغريبة وعدم اللعب والعبث بها كي لا يقعوا ضحايا ويسيرون إلى صار إليه.
وامتداد للقتل المستمر من قبل شبح الموت الذي يترقب الناس من تحت التراب، لم يكن الطفل نصر الله ورفيقه أول ولا آخر ضحايا الألغام في مأرب، فقد فتكت فخاخ الموت المتفجر والعبوات الناسفة بالعشرات من الأطفال البعض منهم فارق الحياة والبعض أصبح يعاني من إعاقات دائمة.
وتستمر فخاخ الموت في حصد أرواح الأبرياء، ما لم يتم الضغط على مليشيا الحوثي من قبل المجتمع الدولي بشكل حازم لإيقاف زراعة الألغام المستمر حتى اليوم وتسليم خرائط زراعتها، ليتمكن مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن من تحديد أماكن زراعتها وإنزال الفرق الهندسية لنزعها وتأمين المدنيين من شرها في وقت قياسي، فمسام تبذل قصار جهدها وتقدم الغالي والنفيس وحتى الأنفس في سبيل رهاناتها الانسانية رغم كل التحديات.