الأخبار
بين الموت والأسر والعذابات والعجز، تجثو طفولة اليمن حبيسة معتقلات الألغام المفتوحة التي امتدت بعشوائية على أرض اليمن ولم تحتاج لسقف وجدران للإجهاز على طفولة اليمن والإمعان في تعذيبها ومصادرة حقها في الاستمتاع بعفويتها وصفائها ونقائها.
فلا مجال لأطفال اليمن لممارسة طفولتهم كسائر أطفال العالم، فحصار الألغام والمخاوف من تواجدها في أي مكان من حولهم، حول حياتهم إلى كابوس طويل الأمد، لا ينقضي بمجرد الاستيقاظ، فهذا الكابوس يرافقهم في يومهم ويتطفل حتى على أحلامهم، وهذا ما جعل هؤلاء الأطفال أشبه بمعتقلين في معتقلات الألغام الممتدة في اليمن.
لا يستطيع أطفال اليمن، أسرى الألغام اللعب واللهو والانطلاق وحتى الرعي والدراسة والحركة بحرية ودون مخاوف، فالتحركات مقيدة بهواجس الموت وصور الانفجارات الغادرة والضحايا لا تفارقهم، وكيف تفارقهم وقد عاش بعضهم فصولها بمنتهى الدموية والقسوة.
وهذا حال الأطفال في الحديدة قصة الذين تلاعبت الألغام بمصائرهم وأعصابهم ونفسياتهم إلى أبعد الحدود، كما فعلت بالطفل عبدالله أحمد.
فالطفل عبدالله، من أبناء منطقة الحيمة بمديرية التحيتا جنوب الحديدة، فقد قدمه ويده اليمنى وعينه، وبات عاجزا، بعد أن خسر أخاه في نفس الحادثة.
يستحضر الطفل عبدالله مأساته مع اللغم الغادر، حيث يروي قائلا “خرجنا صباحا للعب أنا وأخي، فإذا بلغم ينفجر بنا، استشهد أخي نادر وأنا بترت قدمي اليمنى ويدي وفقدت عيني”.
مجرد الرواية فقط تذيب القلب، فماذا بقي لهذا الطفل لكي يخسره، وكم تحمل من الألم والعذابات في جسده ونفسيته، فليس من السهل عليه حتى رواية ما حدث، وهو ما ينسحب أيضا على والد الطفل عبدالله، الذي يحكي قصة إصابة ابنه عبدالله واستشهاد ابنه نادر ويقول بصوت مليء بالحسرة على أولاده “هذا ابني عبدالله خرج وأخيه من البيت إلى اللعب وإذا بخبر أتانا أن لغم زرعته مليشيات الحوثي انفجر بهما.. جريت ألهث إليهما فإذا بي أشاهد أحد أطفالي ميت والثاني مقطع، حاولت أن أتمالك نفسي من أجل إسعافهم فأخذتهما إلى المجمع ولكن نادر كان قد فارق الحياة، وعبدالله كان مصابا بجروح بليغة”.
تحبس الحسرة عبارات الوالد وعبراته، لكنه يعاود لجمع شظايا قلبه المكسور على أولاده، ويقول متسائلا “ما هو الذنب الذي عمله ابني ليواجه هذا المصير المحزن والذي فقده طفولته وبراءته بسبب ألغام الحوثيين الذين زرعوها في كل المناطق والطرقات وجعلوا المواطنين والأطفال يواجهون هذا الإجرام الذي لا يستثني أحدا”.
مصاب جلل يحبس الأنفاس وألم عظيم تعجز عن حمله الجبال وجراح غائرة لا يمكن أن تندمل.. مشاعر يتقاسمها أطفال اليمن من ضحايا الألغام وذويهم، ممن أثخنتهم الجراح واستوطنت في قلوبهم اللوعة على فلذات أكبادهم، فهل من مجير؟.