الأخبار

تغرد الألغام خارج أسراب الانسانية بكل معاييرها ومبادئها وقيمها بعيدا، فالألغام تحكي لغة غير اللغة الإنسانية، فلها قانونها الدموي الخاص الذي لا يستثني أحدا ولا يعترف بأي تصنيف وليس له في عالم الأولويات إلا أولوية واحد لا غير، التقتيل بدم بارد.
الكبار والصغار، الرجال والنساء، العسكريون والمدنيون، المحاربون والعزل، الكل موضوع استهداف دون استثناء، وهذا الظلم العام ليس الجريرة الوحيدة التي سلطتها الألغام الحوثية على رقاب اليمنيين، فقد وصلت نزعة الموت الشرهة لدى زارعي الألغام إلى التفكير في استنباط طرق وأساليب غير مألوفة في أماكن زراعة الألغام وطرق تمويهها، ولم تسلم الطفولة اليمنية من دائرة نقمة أرباب الموت المتفجر، حيث أعدوا لأطفال اليمن سيناريوهات إهلاك بالألغام في غاية الشيطانية والدموية، تكشف كم أن هؤلاء الزارعون لفخاخ الموت قد تجردوا من انسانيتهم وقد خلعوا آدميتهم إلى حد يحير القلوب ويذهل العقول ويكسر الوجدان.
فمع الطيور باكرا ذهبت مينا المحبوبي برفقة أخاها الأصغر إلى مزرعتهم القريبة من مفرق سد مأرب قبل أكثر من عامين. ذهبت لمداعبة أوراق الشجر واقتلاع سيقان العلف لإطعام أغنامها، لكنها عادت إلى منزلها بلغم حوثي على شكل لعبة أطفال، فشكله الكروي وألوانه الجذابة استحوذت على إعجاب مينا فأخذته من بين الأشجار واحتفظت به وقفلت راجعة للبيت.
ومع وجبة الإفطار اجتمعت الأسرة المكونة من أب وأم وثلاثة أخوة، في بهو المنزل الطيني ذو الطابع البدوي المأربي القديم، هناك دعت مينا أخاها تركي لتريه اللعبة التي وجدتها، وما ان أخرجتها حتى انفجرت وتطايرت شظاياها في زوايا المكان لتنهي حياة تركي فيما مينا وأخوتها أمل وخالد وعبدالله تعرضوا لإصابات مختلفة.
تقول مينا، بصوت يسكنه الحزن وتكاد تحبسه العبرات “كنت أظنها لعبة شكلها كروي وألوانها حلوة وضعتها عند رأسي حتى اليوم الثاني ودعوت أخي لأريه إياها”.
تركي مات ومينا وأشقائها أمل، وخالد وعبد الله، أصيبوا، فبعد “الانفجار عم الصراخ المكان ودخلت بغيبوبة تامة عندما شاهدت ما حل بأبنائي جميعا” هكذا قالت والدة مينا.
ومن يومها تغيرت حياة هذه الأسرة بعد نكبتها، بسبب “اللغم اللعبة”، المشؤوم الذي كان ابتسامة على شفاه مينا البريئة وتحول إلى دمعة وحرقة في صدرها وصدر عائلتها.
عائلة مينا ليست إلا نموذجا من أسر عدة نالوا نفس المصير بسبب فخاخ الموت المموهة التي تتربص بهم في بيوتهم على تخوم دورهم وفي الطرقات ومناطق الرعي وغيرها، وهو وضع يجتهد مسام في تغييره من خلال وصل الليل بالنهار في ماراثونه ضد الألغام، حيث تعمل على إزالة فخاخ الموت وتكوين فرق محلية مؤهلة للتعامل معها وتوعية الناس بمخاطر هذه الألغام… فتأمين حياة الأبرياء أولى أولويات مسام إيمانا من القائمين عليه والعاملين به بحق الإنسان في حياة آمنة.