الأخبار
على مر السنوات الماضية، لم تتوان الميليشيات الحوثية في فرض قيود على الحريات العامة والخاصة والعمل على تأسيس دولة بوليسية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها مستعينة بالتجربة الإيرانية في القمع وكتم الأصوات المعارضة.
إذ أسست الميليشيات لسياسة تكميم الأفواه عبر الاعتقالات العشوائية وسن قوانين تقيد حركة المواطنين. هذه الانتهاكات زادت من معاناة اليمنيين خاصة في ظل تأزم الوضع الصحي والمخاوف المتزايدة من انتشار الأوبئة والأمراض وخاصة الفيروس المستجد “كورونا” وكذلك في ظل الانتشار الواسع للألغام التي جعلت أبناء هذا البلد مكبلي الحركة.
ولا تستثني هذه الجماعة الإرهابية من إجراءاتها القمعية النساء والأطفال خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها. وهو ما أشارت له عديد التقارير الحقوقية التي أكدت تزايد وتيرة هذه الانتهاكات في الآونة الأخيرة في كل من صنعاء ومأرب والجوف والحديدة وتعز وإب والبيضاء، أين سجل ارتفاع في عدد المختطفين الذين اقتادتهم الميليشيات إلى جهات مجهولة ومواقع عسكرية وسجون سرية.
مسلسل معاناة الشعب اليمني لا يقف عند هذا الحد فحلقاته لا تعرف النهاية، إذ يمثل غياب الرعاية الصحية الأساسية وجها آخر لقباحة الصورة. فقد أتعب تدهور الوضع الصحي المدنيين نتيجة توقف عديد المرافق الصحية عن العمل عدا عن عدم وصول المساعدات الطبية للمناطق المتضررة.
فعلاوة على الإصابات المباشرة التي تلحق بالمدنيين جراء الألغام والقنص.. يموت الكثيرون منهم بصمت ويصبحون في عداد المنسيين، إذ لا يلاحظ موتهم أحد أو لا يسجل وفاتهم أحد.
فالعديد منهم يموتون بسبب سوء التغذية وإصابتهم بأمراض يسهل الوقاية منها وعلاجها إن توفرت التجهيزات والأدوية التي بقي وصولها رهين أهواء الظلاميين. هذا إضافة إلى الموت البطيء للأشخاص المصابين بأمراض مزمنة على غرار ارتفاع ضغط الدم والسكري وحالات الفشل الكلوي… الذين يبتسم الموت كل يوم في وجوههم ابتسامة الليث وكأنه ينبؤهم بأن نهايتهم قريبة في ظل غياب علاجاتهم التي تبقيهم على قيد الحياة.
جرائم الحوثيين متعددة ومتشعبة ولا يمكن حصرها، لكن تبقى زراعة الألغام أخطرها على الإطلاق لأنها ستلاحق اليمنيين لسنوات عديدة نظرا لعدم وجود خرائط يستدل بها على مكانها. لذلك مازال مشروع مسام يحاول جاهدا تخليص عديد المناطق من الشر المدفون فيها، وقد استطاع الفريق 11 العامل في محافظتي مأرب والجوف من نزع وإتلاف 20 ألف لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة. فمنذ بداية عمله في المشروع منتصف 2018، تمكن من تطهير 16 حقلا ومنطقة ملغومة تنوعت ما بين مناطق زراعية وسكنية وطرق رئيسية وفرعية.
وكان قائد الفريق المهندس صالح طريق قد أشار إلى أن 80% من مساحة محافظة مأرب زرعها الحوثيون بعشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة. لكن بفضل الجهود المبذولة خلال أكثر من عامين تم تأمين مأرب من خطر هذه الآفة بشكل شبه كلي.
منذ قرابة الست سنوات، واليمنيون يرزحون تحت الفقر والجوع والتشرد والتفخيخ لكنهم مازالوا متمسكين بالأمل في إشراقة شمس يوم جديد قد يبعث الحياة من جديد في هذا البلد الذي عبثت به الأيادي الملطخة بدماء الأبرياء.