الأخبار
كأس الحسرة واللوعة شراب مرير للغاية أذاقته الألغام الغادرة لعدد كبير من أطفال اليمن، ممن استدرجتهم واستغلت عفوية صباهم وتلاعبت ببساطتهم وبراءتهم، وأوقعت في شرك فخها الملغوم المتفجر ونالت منهم بطرقة دموية قاسية، فقتلت منهم من قتلت وأبقت البقية المتبقية في شراك العجز والألم والخوف.
تنكيل الألغام بأطفال اليمن قضية شائكة تدمي القلوب، فماذا تريد هذه الألغام من هذه الفئة الهشة، ولماذا تتعمد صيدهم كطرائد لها دون شفقة ولا رحمة؟ ولماذا تصر على إهلاكهم إما بالقتل أو العجز أو الخوف؟.
أسئلة عدة تطرق أبواب الضمائر اليقظة والقلوب الرحيمة إلى أبعد الحدود، فهؤلاء الأطفال لم يقترفوا أي ذنب يذكر، ومع ذلك تترصدهم ألغام خصصت لاصطيادهم كفرائس بطريقة ممنهجة وشيطانية، يلعب فيها التمويه المحكم دور السم القاتل لهذه الفئة الضعيفة.
فالطفل عياش محمد، أوقعه لغم كروي الشكل حسبه لعبة في شراكه، فبتر أطرافه، وتحولت اللعبة التي خالها هذا الطفل أنها ستكون مصدر تسلية وفرح له، إلى كابوس مرعب ووحش مفترس انقض عليه ونال من جسده الهزيل، ومنذ تلك الواقعة ودع عياش أحمد اللعب إلى الأبد، وكانت تلك الكرة الملغومة آخر عهده باللعب، وهو ما يصعب عليه التأقلم معه. فعياش تقبل ما حل به من مصاب لكنه لا يستطيع اقناع طفولته المتدفقة بداخله اعتزال اللعب.
أما الأطفال همام وأنهار ووجدان، فهم أخوة من أسرة واحدة، تحولت نزهتهم العائلية إلى مأساة حقيقية، حيث جمع أحدهم مسامير عثر عليها في منطقة النزهة العائلية، وصحبها معه للبيت، وهناك أراد اكتشافها بفضوله الطفولي البريء، فانفجر المسمار الذي كشف فجأة عن أنيابه وهويته الحقيقية وطابعه العدواني، فأصيب الأطفال الثلاثة وفقد أحدهم عينه والأخر بترت أطرافها وتوزعت الجروح عليهم لتجمعهم في مصير واحد كضحايا الألغام الغادرة فائقة التمويه.
وقد شمل الطفل صالح القحطني المصير نفسه، حيث نال منه أحد الألغام مخلفا حسرة لا تمحى من قلبه وخوفا كبيرا تمكن منه بسبب هذه الحادثة، حيث بات حبيس المخاوف والهواجس.
وقد عض الطفل ناصر ربيع على جراحه مطلقا أمنية علها تلقى صدى لدى المعتدين على طفولة اليوم، حيث تمنى أن يكون آخر طفل يستهدفه لغم في اليمن، وهو ما يعكس مقدار المرار التي تكابدها هذه الشريحة الهشة في تلك البقاع التي استوطنتها الألغام ووضعت نصب عينيها الطفولة، لتقضي ليس فقط على يمن اليوم وإنما على يمن الغد أيضا، فهؤلاء الأطفال هم بناة الغد وصناع الأمل والتغيير.