الأخبار
بمناسبة يوم المرأة العالمي، لا يمكن إلا الانحناء إكبارا وتقديرا للمرأة اليمنية، هذه المرأة العربية الجبارة التي صمدت ولازالت في وجه مختلف ضروب القهر والظلم وعانت الأمرين من مغبة تدهور الأوضاع الأمنية في اليمن وشقيت بجور الألغام أيما شقاء.
ورغم ذلك كله، مازالت المرأة اليمنية صامدة ومستعدة للعطاء ومصرة على حقها وحق ذويها في البقاء ومتمسكة بأرضها ومساندة للزوج والأخ والابن وغيرهم من رجالات وطنها الأبرار في مسيرة بقاء مؤكدة استحقاق هؤلاء وأحقيتهم في أرضهم ووطنهم.
في هذا اليوم، لا بد أن نتوقف عند باب المرأة اليمنية وندق باحترام ونربط على كتفها ونهديها ورود العالم أكاليل عز وشرف لها، فهذه المرأة التي لم تكسرها الحرب ولم تنل من عزيمتها الألغام، لطالما أطلت على العالم لتبرهن في لجج جراحها ونزيفها وألمها ومصائبها العظيمة خاصة بسبب الألغام، إنها هنا باقية عصية عن الانكسار، معطاءة حتى الرمق الأخير، فهنيئا لليمن بهذه المرأة وسحقا لكل غادر يحاول النيل من بسمتها وصبرها وسلبها هناء العيش، ليس لأي شيء سوى لأنها أصرت على البقاء.
قصص شتى تصور معاناة المرأة اليمنية بسبب الألغام، تؤلم ضمائرنا، وتؤكد كم علينا أن نحترم هذه المرأة وأن نعتذر منها لتقصيرنا في حقها، حتى أن بسمتها اليوم وهي ثكلى أو مبتورة الأطراف بسبب الألغام تقتلنا خجلا، فقد هزمت هذه المرأة الباسلة كل شيء وقف في طريقها حتى العجز الذي دب في جسد، تحدته وهي تجتهد لكسر قيده ومواصلة مشوارها، فصوت العطاء فيها أقوى وأبقى من الركون للعجز والقاء سلاح الصبر وإعلان الانتحار لم يكن ولن يكون نهجها البتة، وهذا ما حير ويحير عدوها، فتركيبة الصبر والعطاء فيها باقية ما بقي نبض الحياة في صدرها.
وحدها الدموع تكشف ألمها أحيانا من عظيم ما تحمله على عاتقها من أثقال مريرة.
ودموع الحاجة سلمى سعيد، من أبناء منطقة الرويس بمديرية المخا، تعكس حجم المعاناة التي تعيشها بعد أن خطفت ألغام الحوثيين حياة نجليها، بلغم بحري انفجر بقاربهم، وهم في مهمة البحث عن مصدر عيشهم، وقوت أطفالهم.
وخلال حديثها لمكتب مسام الإعلامي، تشكي الحاجة سلمى وضعها بحزن عميق أنهك جسدها الضعيف، وبصوت أم مكلومة بالألم “أخذوا مني كل شيء، وتركوني أعيش في عذاب”، ثم ترفع يدها للسماء تشكو إلى الله حالها، تدعو على من تسبب بحرمانها نجليها، وتركها عاجزة تتكبد مرارة العيش، وقسوة الحرمان.
كما تقول الحاجة سلمى “حزني على فقداني لأولادي يتجدد في كل لحظة أنظر فيها إلى عيون أطفالهم، وقد أصبحوا بفعل ألغام الحوثيين أيتام بلا معيل أو معين”.
مآسي بالجملة خلفتها ميليشيا الحوثي في كل بيت بالساحل بحق الأبرياء الذين عاشوا طيلة حياتهم بعيدا عن ثقافة التسلح والاقتتال.
قصة سلمى واحدة من مئات القصص المأساوية التي خلفتها ألغام الحوثيين المزروعة برا وبحرا، فبدون أي ذنب ولا جريرة حولت الألغام حياة نساء كثيرات في اليمن إلى ليل سرمدي قاتم، بعد أن وجدن أنفسهن في عين عاصفة الحرب وطوفان الألغام الحوثية، لم يكن أمامهن وعائلتهن خيار سوى الهرب والارتماء في أحضان النزوح.
فبالأمس، خرجن خوفا من الحرب، واليوم عدن بعد أن أحسسن بشيء من الأمن في ديارهن اللاتي غادرنها عنوة، لكن فصول مأساتهن لم تدفن في غياهب النزوح، بل تجددت بعمق بمجرد بلوغهن بيوتهن، حيث كانت الألغام تعد لهن العدة لتهلك ما تبقى فيهن من رغبة في الحياة.
فبعضهن فقد الرفيق والزوج والمعين، وأخريات فقدن أطرافهن وفلذات أكبادهن بسبب الألغام الحوثية التي زرعت في طريق عودتهن وعلى تخوم بيوتهن ومزارعهن.
فافتخار، امرأة مكسورة الجناح تقول لمكتب مسام الإعلامي بكلمات مزقها الحزن “لم أعد قادرة على المشي أو العمل، بعد أن أعاق الحوثيون قدمي اليمني بلغم أرضي زرعوه جوار منزلي في وادي الملك بمنطقة الرويس بمديرية المخا”.
ثم تواصل راوية فصول مأساتها “كنت حاملا، لكن الانفجار الذي تعرضت له أجهض حملي، وما زلت أعاني من ألم الإصابة حتى اليوم”.
وأمام إصرار الألغام على قتل حياة المرأة اليمنية والنيل من صبرها، تسارع فرق مسام لبذر الأمل في درب هذه المرأة ومحاولة مد طرق آمنة أمامها لموصلة مشوار، التي بدأته مرفوعة الرأس ولن تختمه إلا كذلك.
وتبقى أمواج الألغام مهما تباهت بعلوها وشموخها حبيسة بحار صبر المرأة اليمنية ومصيرها حتما التكسر على صخور إرادة أصحاب الإرادة، لتغدو في المحصلة ذكرى أمواج ومرد زبد هالك.