الأخبار
للانقلاب لذته وللدم نشوته لدى زراع الألغام وباذري الموت، وفي هذا تأكيد لنظرية فرويد التي ذكر فيها “أن غريزة الموت عند الإنسان تماثل غريزة الحياة”.
إن الموت المنتشر جراء الألغام أيقظ في الأفراد غريزة البقاء وشحذها، وهو ما يفسر ذاك الصمود الذي يتحلى به أبناء اليمن والإصرار على مواجهة الواقع رغم مرارته ورغم خوفهم الذي لم ينكروه يوما لأنه شعور إنساني طبيعي.
ست سنوات، فترة ليست بقصيرة تحمل اليمن واليمنيون مختلف مظاهر الدمار والخراب والموت والتشرد. من يعيش في اليمن تراوده آمال باهتة.
فحينما يعيش مرارة الانقلاب طيلة هذه المدة يعتاد بمرور الوقت على البؤس والشقاء، وعلى انعدام المياه والكهرباء، وغياب الرعاية الطبية وحضور الألغام والمتفجرات التي زعزعت أمن البلاد والعباد.
فعندما تتجول في المناطق المحررة في اليمن، ترعبك التحذيرات والأسلاك الموضوعة على مساحات كبيرة التي ترشدك إلى الطريق الإجباري الذي عليك أن تسلكه حتى لا تقع ضحية للألغام اللعينة التي غصت بها أرض اليمن.
فوجود هذه الآفة دفع ثمنه المدنيون من أجسادهم ومن فلذات أكبادهم. فأوائل الضحايا كانوا من رعاة الغنم الذين يتوجهون بقطعانهم لترعى، ومن الأطفال الذين اعتادوا التنقل واللعب في الحقول والمزارع.
اليمن يواجه تدميرا ممنهجا للأرض والإنسان. فقد تحول هذا البلد إلى مزرعة ألغام حتى صارت كل خطوة بمثابة المجازفة التي يقدم عليها اليمني وهو يهم بتوفير قوت أسرته التي ترزح بين مطرقة الجوع وسندان الألغام.
أيادي العبث والموت ماضية في زراعة فخاخ الموت المتفجر، لكن في الطرف الآخر هناك من يزرع الأمل في نفوس اليمنيين ويدفعهم للحلم ببلد خال من الإرهاب المدفون تحت الأرض. وهو مشروع مسام الذي يسعى لإزالة سكين الألغام من خاصرة اليمن.
فلقد تمكنت فرق مسام الهندسية خلال الأسبوعين الأولين من شهر فبراير الجاري من تخليص اليمنيين من 2956 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة منها 1432 أثناء الأسبوع الثاني.
فجهود أسرة مسام أثمرت منذ انطلاق المشروع ولغاية الـ12 من فبراير على نزع 217393 لغما وقذيفة غير منفجرة وعبوة ناسفة علاوة على تطهير 20.034.441 مترا مربعا من الأراضي اليمنية التي كانت مفخخة بالألغام.
لكن رغم هذه الجهود المضنية المبذولة، لاتزال ألغام الميليشيات تشكل كابوسا يؤرق أهالي اليمن حيث لا يكاد يمر يوم دون سقوط ضحايا مدنيين في الطرقات العامة والأحياء السكنية وفي المزارع… ولن يتعافى هذا البلد منها بسهولة إذ هو في لاستمرار هذه الجهود الإنسانية الخيرة لانتشاله من مستنقع الموت الملغوم.