قال الأستاذ أسامة القصيبي المدير العام لمشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام أن اليمن يواجه أزمة كبيرة فيما يتعلق بقضية الألغام، وهو الأمر الذي يستدعي عملاً أكثر جدية وصرامة من قبل المجتمع الدولي.
وأضاف القصيبي في البرنامج الحواري (بصراحة) الذي تقدمه الإعلامية كاتي جينسين على موقع صحيفة (ARANNEWS) أنه لا توجد أي مؤشرات تلوح في الأفق للحد من هذه المأساة.
وأشار مدير عام مشروع «مسام» إلى حجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها اليمن من خلال إصرار الجماعة الحوثية على استهداف الإنسان اليمني من خلال زراعة الألغام بكافة أشكالها وأحجامها في مختلف المناطق، دون مراعاة لقواعد القانون الدولي الإنساني في هذا الشأن.
القصيبي تطرق خلال البرنامج إلى العديد من الأمور المتعلقة بقضية الألغام التي تشكل هاجساً لكل متابع للشأن اليمني.
وفيما يلي نص الحوار:
- في العاشر من مارس من هذا العام، وقعت كلاً من إيران والمملكة العربية السعودية على ما يسمى باتفاق السلام التاريخي الذي تم بوساطة من الصين. منذ ذلك الحين، شهدنا وقفًا مستمرًا لإطلاق النار، وشهدنا إجراء المزيد من محادثات السلام أيضًا، ولكن بصراحة، هل كان لهذه الاتفاقية أي تأثير، هل زادت من الضغط على الحوثيين، وهل سهّلت عملكم في مجال إزالة الألغام في اليمن؟
- أنا سعيد بتوصل البلدين إلى هذا الاتفاق الذي أعتقد أنه على المدى الطويل سيساعد المنطقة بأكملها، ويعيد تشكيل بعض العلاقات في المنطقة.
أما عن تأثير ذلك على ملف الألغام في اليمن فلا أعتقد أننا شهدنا أي تحسن في قضية الألغام في اليمن حتى الآن.
لقد قام الحوثيون بالتوقيع على اتفاقية ستوكهولم الخاصة باليمن، الاتفاقية موجودة بالفعل، والمطلوب منهم هو تسليم الخرائط والمعلومات والمواقع وتفاصيل ما تم زرعه في اليمن، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وهو الأمر الذي يؤثر على تقدم العمل.
- حسنًا، أنت تقول إنه على الرغم من تحسن العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وعلى الرغم من محادثات السلام الجارية، لازال الحوثيون يرفضون تسليم أي تفاصيل حول أماكن زرع الألغام في اليمن، هل هذا هو الحال؟
- هذا هو الواقع الحالي بالفعل، الحوثيون يملكون المعلومات اللازمة، وهناك نوعين من الألغام التي تمت زراعتها في اليمن، وهناك ما يعرف بحقول الألغام العشوائية وهي حقول صغيرة تضم من 4 إلى 5 ألغام. أعتقد انهم لا يملكون أي معلومات عنها.
وقد عملنا بالفعل في حقول ألغام ضخمة على الساحل الغربي وشبوة، وهذه حقول ألغام مزروعة وفق المعايير العسكرية، ما يعني أن شخصًا ما لديه المعلومات لأنه تمت زراعتها وفق معايير مهنية معروفة، فهناك إحداثيات للشبكات.
وهؤلاء بالتأكيد يمتلكون خرائط أو شخص ما يمتلكهم فلديهم مراجع خاصة بتلك الحقول. لكننا لم نر أياً منها في الماضي.
عملت في اليمن منذ ستة أعوام، ولم أطلع على وثيقة واحدة تتعلق بما زرعه الحوثيون في اليمن.
- أعتقد أن المناطق العسكرية مختلفة تماماً عن المناطق المدنية. هل تعتقد أن هناك أي شيء يمكن أن تقوم به إيران أو الصين أو حتى المجتمع الدولي للضغط على الحوثيين لتسليم هذه الخرائط؟ لأنه بالتأكيد يجب أن يكون هذا منفصلاً عن القضية السياسية خاصة أن هذه الألغام الأرضية تستهدف في الغالب المدنيين، وخصوصا النساء والأطفال الصغار.
- يعمل مشروع «مسام» فيما يسمى بالمناطق المحررة والتي لم تعد خاضعة لسيطرة الحوثيين.
بعض المناطق التي عملنا فيها بالفعل، على سبيل المثال الجوف وشبوة يتم تطهيرها حالياً للمرة الثالثة.
وخلال الأعوام القليلة الماضية شهدت هذه المناطق تحركات بين الحوثيين والحكومة الشرعية في اليمن، وحدثت تحولات في الجبهات، وعلى سبيل المثال كنا على وشك الإعلان عن خلو شبوة تماماً من الألغام بعد عمل استمر أعوام تم خلاله الاستعانة بالكثير من الفرق التي قامت بعمل جاد، إلا أن الحوثيون ما أن عادوا إليها زرعوها بالألغام.
وبعد طردهم منها مرة أخرى، وجدنا ألغاماً أكثر مما قمنا بإزالته في السنوات الثلاث الماضية من عملنا هناك، لقد تم العثور على ألغام أكبر وأحدث.. تقنيات جديدة.. ومعها المزيد من الأضرار.
- يبدو سيناريو المواجهة صعباً.. كم عدد الألغام التي قمتم بإزالتها حتى الآن.. فى تقديرى يبلغ الرقم حوالي نصف مليون.. هل هذا الرقم دقيق.. وكم من الوقت استغرق ازالتهم حتى الآن؟
لقد قمنا بإزالة أكثر من 400 ألف لغم وعبوة ناسفة وذخائر غير منفجرة، ويشكل ذلك ألغام مضادة للأفراد وأخرى مضادة للدبابات، يضاف إلى العدد الكبير من الذخائر غير المنفجرة، والعدد الأكبر من العبوات الناسفة. سأتوقف هنا عند العبوات الناسفة.. وهنا أتحدث فقط عن مشروع «مسام»، لقد قمنا حتى الآن بإزالة أكثر من 7800 عبوة ناسفة مثل ألغام الصخور في اليمن، وهذا الرقم بالمناسبة لم يسجل في أي مكان آخر في العالم.
أكرر أنا أتحدث عن مشروع «مسام» فقط بعيداً عن الألغام التي قام المهندسون اليمنيون بإزالتها، وما أزالته قوات التحالف، وما ازالته الأطراف الفاعلة الأخرى في اليمن.. هذا الرقم ضخم جداً بالطبع.
- حسناً، هذه الأرقام التي من المحتمل أن تكون أعلى مما رأيناه في الحرب العالمية الثانية. وإذا كان هذا صحيحاً.. فكم عدد الألغام التي تعتقد أنها لا تزال موجودة في اليمن اليوم؟
- أعتقد أنه يتراوح ما بين مليون ومليوني لغم هذا بالنسبة للألغام المزروعة حديثاً، أي أننا لم نأخذ في الاعتبار الألغام التي كانت موجودة في اليمن قبل الأزمة الحالية.
البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام في اليمن يعمل منذ 15 عامًا على إزالة الألغام، حيث تعتبر اليمن من الدول الموقعة على اتفاقية حظر استخدام الألغام. لكن لدي هنا تعليق حول هذه الاتفاقية، والتي تتحدث عن الألغام المضادة للأفراد.
بمعنى أنها لا تشير صراحة إلى الألغام المضادة للدبابات، ولا إلى العبوات الناسفة مثل ألغام الصخور.
إذن، المصطلحات غامضة للغاية، لذا فأنت ملزم بإزالة الألغام المضادة للأفراد.. لكن كحكومة لست ملزمًا بإزالة الألغام المضادة للدبابات أو العبوات الناسفة. في هذا الصدد يجب الإشارة إلى أن الحوثيون قاموا بتعديل
الألغام المضادة للدبابات بشكل ارتجالي، وأوصلوها بألواح ضغط لتقليل وزن اللغم المضاد للدبابات لجعله مشابهاً للغم المضاد للأفراد.
فبدلاً من أن ينفجر اللغم عند وزن يزيد عن 120 أو 150 كيلوغرامًا، أصبح ينفجر عند تعرضه لوزن أقل من 10 كيلوغرامات، فإذا ما مر طفل على ألواح الضغط هذه فلن يتبقى منه شيء!
يمكنك تخيل ما يحدث لإنسان إذا انفجر بجانبه لغم مضاد للدبابات.
المشكلة هي أن مصطلحات الألغام المرتجلة والعبوات الناسفة المرتجلة ليست ضمن مصطلحات المجتمع الدولي، ومن المهم في رأيي اضافتها وتحديد القواعد واللوائح الخاصة بالتعامل معهم.
- أنت تشعر أن هناك ثغرة واضحة فيما يتعلق بالتشريع، حتى مع تشديد القوانين -رغم ذلك-.. هل تعتقد أنه من المحتمل أن متمردي الحوثي سيلتزمون بهذه القوانين، في ضوء ما نعرفه عنهم؟
- غالباً لا.. لكن مثل هذه التشريعات الدولية ستعطي العالم الغربي ذريعة على أقل تقدير لممارسة المزيد من الضغوط عليهم.
- أود أن أسال عن عدد الضحايا في تقديرك الذين لقوا مصرعهم نتيجة لهذه الألغام الأرضية الفتاكة، وهل يمكن أن نسأل عما إذا كنت قد فقدت أيًا من زملائك عند خوض هذه المهمة النبيلة؟
- في اليمن، يبلغ عدد الضحايا عشرات الآلاف، وفي هذا الصدد هناك مشكلة أخرى يجب التطرق إليها، وتتمثل في أنه لا يوجد كيان واحد في اليمن أخذ على عاتقه جمع وتوثيق كل المعلومات عن جميع الضحايا في اليمن.
فعلى سبيل المثال في مأرب، ستجد منظمة واحدة تقوم بحصر الضحايا في مأرب، وفي نفس الوقت نجد منظمة أخرى تعمل على ضحايا عدن، وأخرى خاصة بتعز، ثم منظمة أخرى تعمل في الجوف.. وهكذا.
لكن ليس هناك كيان واحد، ولا حتى كيان حكومي يبذل الوقت أو الجهد لجمع وتوثيق كل تلك الحوادث.
- مع ذلك، ما هو تقديرك للأمر من حيث عملك ومن حيث ما شاهدته، وكما قلت من قبل، هل فقدت أيًا من زملائك؟ خاصة وأنت تعمل هناك منذ منتصف عام 2018؟
- هناك آلاف الضحايا في اليمن، بالنسبة لمشروع «مسام»، فقدنا ثلاثين من رفاقنا في اليمن، وسبعة وأربعين جريحًا، بعضهم من الأصدقاء المقربين للغاية حيث عملت معهم على مدى 18 عاماً.. لقد دفعنا ثمناً باهظاً في اليمن.
- أنا آسفة. من فضلك تقبل تعازينا. إنه وضع مأساوي ويبدو أن الأرقام كبيرة للغاية لأنه كما فهمت، لديك حوالي 550 عضوًا في الفريق. ولكن بالنظر إلى مساحة اليمن الهائلة، والتي تبلغ أكثر من 550 ألف كيلومتر مربع، فإن هذا يعني أن كل عضو في فريقك مسؤول عن تطهير حوالي 1000 كيلومتر مربع من الأرض. هل الرقم دقيق؟ هل لديك موارد كافية، خاصة عندما تتحدث عن تطهير منطقة ثلاث مرات وبعدها يأتي أحد متمردي الحوثي ليسبب المزيد من الدمار؟
- يضم مشروع «مسام» 32 فريقًا منتشرين على الأرض بين مقرنا الرئيس في مأرب ومقرنا الرئيس في عدن حيث يقوموا بتغطية كلا المنطقتين.
هل هذا العدد كاف؟ بالطبع لا.. لا يكفي.
لكن يجب ألا ننسى أن هناك أطرافاً أخرى فاعلة في اليمن، فلدى البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام 32 فريقًا تعمل جميعاً برعاية الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
ولا يوجد أي تواصل بين كافة هذه المجموعات حيث تعمل كل مجموعة منفصلة تمامًا عن الأخرى، كما أن هناك منظمات غير حكومية أخرى تحاول العمل في اليمن اليوم وتمولها أيضًا الأمم المتحدة.
لكنها مؤسسات لا تتوفر لديها من الإمكانات ما تملكه فرق «مسام». وآمل أن يكون لمشاركة هذه الفرق تأثير على أرض الواقع لأن اليمن في حاجة ماسة لحل هذه القضية.
ومن المهم الإشارة إلى أن هناك في المجتمع اليمني وصمة عار مرتبطة دائمًا بحوادث انفجار الألغام، حيث أن هناك العديد من النساء اللواتي طلقن من أزواجهن بعد فقد أطرافهن.
كما أن هناك الكثير من الرجال الذين أصبحوا عاجزين عن إعالة أسرهم المكونة من سبعة أو ثمانية أفراد بسبب حوادث انفجار الألغام.
لقد أعلنت الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي أن أكثر من نصف الحوادث التي تعرض لها الأطفال في اليمن مرتبطة بشكل مباشر بالألغام. وهذا رقم
ضخم، فالألغام تؤثر على نظام التعليم والنظام الطبي وإمدادات المياه والأراضي الزراعية والمراعي.
لقد قمنا بإزالة الألغام في إحدى مدارس تعز، حيث تم تدمير نصف المدرسة.
وعندما غادر الحوثيون دخلنا وتمكنا من إزالة الأنقاض حيث وجدنا الكثير من الألغام هناك.
وتم تطهير المدرسة التي تضم 600 طالب، وقبل أن نذهب إلى هناك، كان الطلاب يتلقون تعليمهم في العراء خارج المدرسة.
كما قمنا بتطهير المدارس في جنوب الحديدة حيث وجدنا أن العبوات الناسفة قد زرعت تحت أرضية المدارس، وهذا ما كان ينتظر طلاب المدرسة في حال عودتهم، ولكن عملنا ساهم في إنقاذ أرواحهم.
- أعتقد أن هذه إحدى المشكلات الكبيرة لأننا نرى المتمردين الحوثيين يزرعون هذه الألغام الأرضية في المدارس، ونراهم يضعونها في الصخور كما ذكرت وحتى داخل الأفران، فإذا عادت العائلات وحاولت الحياة فى المنزل تعرضوا للقتل..
ما الأمل الذي يحيا عليه هؤلاء المدنيون؟ أود أن أعلم تكلفة صنع وزرع لغم أرضي فعليًا مقابل تكلفة إزالته، وأنا أتحدث عن الموارد المالية البحتة هنا، وليس الخسائر البشرية؟
- زراعة الألغام لا تكلف الكثير، نتحدث هنا عن عشرات الدولارات. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الخاصة بإزالة الألغام، فإن تكلفة إزالة اللغم الواحد تتراوح بين 500 إلى 1000 دولار.
لذلك لا يوجد أي وجه للمقارنة بين تكلفة زراعة اللغم وتكلفة ازالته. الحوثيون اليوم يصنعون ألغام محلية.. إنهم لا يستوردون الألغام، لقد حصلوا على المساعدات اللازمة لإنشاء المصانع الخاصة بهم.
حيث يصنعون ألغامًا مضادة للدبابات بأحجام مختلفة، وألغامًا مضادة للأفراد بأحجام أكبر من أي ألغام أخرى مضادة للأفراد كانت موجودة في العالم من قبل.
إنهم يصنعون العبوات الناسفة مثل ألغام الصخور، وتوصلوا أيضاً إلى ألغام كانت في الواقع أفخاخ، لذا يمكن القول إنهم لا يهاجمون المدنيين فقط، ولكنهم يستهدفون الأفراد الذين سيأتون ويحاولون بالفعل إزالة تلك الألغام.. إنهم يهاجمون الفرق التي تعمل على الأرض.
وهؤلاء هم الهدف الآن، لقد صنعوا الألغام الوثابة، والتي لا تستهدف إلحاق الأضرار فقط، ولكنها تتجاوز ذلك إلى قتل أكبر عدد ممكن من البشر.
لقد تم صنع الألغام المضادة للأفراد واستخدمت فعلياً في الأصل خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية لإلحاق الضرر بالجنود وليس قتلهم، وذلك لأن الجيوش كانت تزحف بشكل جماعي في ذلك الوقت.
ولم يكن الغرض هو قتل الجنود ولكن اصابتهم، فعندما يصاب شخص فإن الأمر يستدعي بقاء أربعة أو خمسة وستة أفراد خلف الخطوط لمساعدته.
واليوم، يمكن القول أن الألغام المضادة للأفراد التي صنعها الحوثيون في اليمن أصبحت فتاكة، وليس الغرض منها إلحاق الأذى فحسب ولكن القتل.
عندما نتحدث عن الألغام الوثابة التي وجدناها على الساحل الغربي، نجدها فتاكة حيث يثب اللغم بزاوية 360 درجة، وهذا يعني أن أي شخص في المنطقة المحيطة به سيُقتل حتماً.
-
- من الواضح أن خيارات الحوثيين مدروسة جيداً. الآن أريد أن أتحدث قليلاً عن عملك. ما فهمته، هو أن المشروع ممول بالكامل من السعودية. هل هناك أي دول أخرى، دول كبرى أو أعضاء في التحالف المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي تساهم في عملك المتعلق بإزالة الألغام الأرضية في اليمن ؟
- مشروع «مسام» سعودي مئة بالمئة من حيث التمويل والإدارة والتنفيذ.
نعم، لدينا تعاون مع إحدى الشركات التي يقع مقرها في المملكة المتحدة والتي كنت أعمل معها منذ 20 عاماً، ولدينا خبراء من جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة.
ولدينا خبراء سعوديون يعملون معي في فريقي، وجميع فرق إزالة الألغام لدينا هي فرق يمنية.
لقد قمنا بإعادة تدريب وتجهيز الفرق اليمنية التي تمت الاستعانة بها بالفعل من البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام، ونحن في الأساس نعمل على توجيه والإشراف على تلك الفرق.
على المدى الطويل، اليمنيون هم من سيبقون في اليمن لمواصلة العمل بها.
وشخصياً لا أعرف إلى متى سيستمر مشروع «مسام»، أعني أننا بدأنا عامنا الأول بعقد لمدة عام واحد، والآن نحن في العام السادس، هذا قرار الحكومة السعودية وليس قراري.
لذلك ليس لدي أي فكرة عن المدة، ولكن على الأقل إذا غادرنا اليمن اليوم، فهناك عدد كافٍ من اليمنيين الذين تم تدريبهم على مستوى عالٍ لمواصلة العمل هناك.
- لا يزال هناك الكثير من العمل الذى يتعين القيام به.. كنت تقول إن أكثر من مليون لغم -حسب تقديراتك- ما زالت موجودة.
لكني أريد أن أكمل ما قلته.. من الواضح أن المشروع مدعوم بشكل كامل من السعودية، كما قمت أيضًا بإعادة تدريب اليمنيين للمساعدة في إزالة الألغام الأرضية.
لكن هل تقول أيضًا أن دولًا مثل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، التي تواصل إصدار بيانات حول مخاوفها بشأن حقوق الإنسان، وحول الأزمة المستمرة والحرب في اليمن، لكنها غير مستعدة للمساهمة مالياً في إزالة هذه الألغام الأرضية الفتاكة بأي شكل من الأشكال. ولماذا يحدث ذلك؟
- لقد ساهمت الأمم المتحدة من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
- لكنني أتحدث عن هذه الدول تحديداً.
- أعتقد أن الوضع يتغير حالياً.. أرى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يمر بنوع من التغيير فيما يتعلق باليمن، وهناك سياسة جديدة تخطط الأمم المتحدة لاعتمادها في هذا البلد.
ليست لدينا تفاصيل عن تلك السياسة الجديدة في اليمن، إنهم يرغبون في إشراك منظمات أخرى في اليمن، بتمويل إما من الأمم المتحدة أو أوروبا الغربية أو أي منظمة أو دولة أخرى.
الأمر لا يزال غامضاً حتى اللحظة.. أعني ليست لدينا أي تفاصيل عن مدى مشاركتهم.
- يبدو أن التمويل قد انخفض كثيرًا في الوقت الحالي. لقد رأينا تمويل المملكة المتحدة لليمن في السنوات الأخيرة، انخفض لأكثر من النصف.
في الواقع، اعترفت الحكومة أيضًا بعدم إجراء أي تقييم لتأثير خفض المساعدات في اليمن.. لقد رأينا الاتحاد الأوروبي يخفض تمويله بشكل كبير، والولايات المتحدة
كذلك. هل هذا يقلقك على الإطلاق؟ ولماذا برأيك هذه الأطراف الرئيسية الذين يواصلون إصدار هذه التصريحات المدوية حول قلقهم بشأن الأزمة في اليمن يفعلون ذلك؟ لماذا في اعتقادك نشهد الكثير من التشدق بالكلام دون أفعال؟ حسنًا، نرى أشخاصًا مثلك يخاطرون بحياتهم كل يوم لإنقاذ الآخرين.
- عنوان برنامجك هو “بصراحة”، لذا أرجو أن تسمحي لي أن أتحدث بصراحة.
شخصياً، لا أؤمن بإمساك العصا من المنتصف، ولا أرى فائدة من دعم برنامج مكافحة الألغام في صنعاء عندما نعلم أن ميليشيا الحوثي هي من تزرع وتصنع كل تلك الألغام والعبوات الناسفة في اليمن.
ما يحدث هو أن الأمم المتحدة تنتهج سياسة امساك العصا من المنتصف والتي من خلالها تقوم بدعم كل من صنعاء وعدن ومأرب!
- هل تعتقد أنها سياسة ناجحة؟
- من المفترض أن يكونوا محايدين كما يقولون.
- ماذا عن رأيك أنت كإنسان يعمل على الأرض هناك كل يوم؟
- أعتقد أن في ذلك هدر للوقت والمال. إذا كانت هناك ارادة لمساعدة اليمنيين، فأنا لا أهتم بمن هم ولمن ينتمون.. الشمال أو الجنوب، الحوثيون أم غير الحوثيين.
أنا أتحدث عما إذا كنت تريد مساعدة السكان المحليين فهناك طرق مناسبة للقيام بذلك.
يمكنك الإشراف على إجراءات ازالة الألغام وفرق إزالة الألغام، مثلما نفعل في المناطق التابعة لنا، لدينا علاقة عمل وثيقة للغاية مع البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام وهي علاقة ناجحة.
يجب أن يذهبوا إلى هناك، هذا إذا كانوا بالفعل يريدون المشاركة في إزالة الألغام، ولا يجب أن يكتفوا بدفع الأموال والتحدث بفخر عن هذا التمويل.. أين يذهب هذا التمويل؟!
«مسام» هو المشروع أو الكيان الوحيد في اليمن الذي يعلن أرقامه الأسبوعية، بعد مراجعتها وتصحيحها وتوثيقها من قبل برنامج البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام، وفريق العمليات الخاص بنا قبل نشرها.
وبغض النظر عن الأرقام سواء كانت مرتفعة أو منخفضة، فإننا نعلنها صباح كل يوم أحد في جميع منصاتنا الإلكترونية وعلى كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
مع ذكر تفاصيل دقيقة حول عدد الألغام المضادة للأفراد والألغام المضادة للدبابات والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة وكذلك المساحة التي تم تطهيرها بالمتر المربع.
- هل تشكك في أرقام الوكالات الأخرى؟ في هذه الحالة، لماذا تعتقد أن هناك عدم شفافية بالنسبة للمجموعات الأخرى العاملة على الأرض هناك؟
- لطالما أردت معرفة انجازاتهم، ليس لدينا وسيلة للوصول إليهم.
إحدى هذه المنظمات – لن أذكر اسمها- قامت بالإعلان عن أرقامها بالطن. في «مسام» لا نعلن عن الأرقام بالطن، أود أن أعلنها بالأرقام.
التأثير ليس له علاقة بالوزن أو الأرقام، أثر أعمال إزالة الألغام هو ما تقدمه للسكان المحليين في المنطقة.
لقد أخذ مشروع «مسام» على عاتقه منذ اليوم الأول العمل فعليًا في المناطق عالية التأثير، وكنا مهتمين بإعادة النازحين إلى قراهم، والمزارعين إلى مزارعهم، والطلاب الى مدارسهم، وتسهيل الوصول الى إمدادات المياه، وتطهير الطرق الصحراوية التي يستخدمها الناس، والمراعي من الألغام.
وتلك هي المناطق عالية التأثير، يمكنك إزالة لغم واحد من مزرعة، ولكنك بذلك تكون قد أثرت على مجتمع بأكمله الذي استفاد من إزالة هذا اللغم الواحد. يمكنك الذهاب وإزالة مئات الأطنان من الذخائر غير المنفجرة من مكان ما في الصحراء، لكن هذا ليس له أي تأثير.
- عندما نتحدث الألغام.. فإننا نود أن نعلم من أين يحصل الحوثيون على مواد التصنيع والمعرفة والخبرة لتطويرها، فهل تقوم إيران بإمدادهم بكل ذلك؟
- يمكنني القول إنها تأتيهم من خارج اليمن، لكن لا أستطيع أن أقول إنها إيران.
- إذن من أين.. البعض يأتيهم من إيران والبعض الآخر من أماكن اخرى؟
- من المحتمل. أعني أننا قمنا من الناحية الفنية بتحليل كل شيء وجدناه في اليمن، لكي نعرف كيف نتعامل مع العبوات الناسفة أو الألغام المستحدثة جديداً.
لدينا فريق تقني، وظيفتهم تتمثل في تفكيك كل ما نجده ثم نحلل ذلك. ولكن عند العثور على عبوة ناسفة فإننا قد نجد مكونات معينة داخلها لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون قد تم تصنيعها داخل اليمن.
- إذا كان بإمكانك التخمين.. من أين في اعتقادك يتم جلب هذه الأشياء إذا كانت قادمة من خارج اليمن؟
- عليك الرجوع إلى من يمولهم.
- إذا فهي إيران؟
- ربما كانت إيران أو أي كيان آخر يدعمهم.
- بناءاً على خبرتك.. من يكون؟
- نعلم أن هذه السلسلة تبدأ بتمويل من إيران، على الرغم من أن هناك أشياء تأتي من بعض البلدان الأخرى.
الطائرات بدون طيار في اليمن مجهزة بمحركات ألمانية الصنع.. وعندما نتساءل من يقوم بتهريب محركات ألمانية الصنع إلى اليمن؟ فيمكننا الوصول إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن أن تكون منظمة صغيرة. لا بد أن تكون حكومة لديها الكثير من الحلفاء في المنطقة الذين ييسرون عمليات التهريب الى داخل اليمن.
- من هي الأطراف التي تتعاون فيما بينها لتهريب تلك الأشياء الى داخل اليمن؟
- فيما عدا إيران وحزب الله في لبنان، ستواجهنا علامة استفهام كبيرة هناك.
- تم تمديد عقد المشروع مؤخرًا للعام السادس على التوالي، كما تلقيت أيضًا وسام الشجاعة من الرئيس اليمني رشاد العليمي. لذلك من الواضح أن هناك الكثير من الثقة والتقدير للعمل الذي تقوم به، ولكن متى في اعتقادك يمكنك القول لقد تمت المهمة بنجاح؟
- لا يسعني حالياً إلا القول إنه إذا كانت هناك هدنة مطلقة ومناسبة في اليمن، وكانت جميع الجبهات مفتوحة ونحن نعمل هناك، عندها يمكنك تقدير الموقف.
لا أحد يعرف ماذا يوجد على تلك الجبهات في الوقت الحالي، لأننا لا نعمل على جبهة نشطة.
أعني جميع هذه الألغام تمت ازالتها من المناطق التي تم تحريرها بعد أن كانت خاضعة لسيطرة الحوثي، وهي التي بدأت من الجوف وانتهت في جنوب الحديدة.
هذا يعني أن هناك الكثير من المناطق التي لم ندخلها بعد لنعرف ما بداخلها. وأتصور أن هناك أعداداً هائلة من الألغام في تلك المناطق، وهو ما يتطلب العمل لسنوات وسنوات، الأمر الذي يستدعي توفر عددًا أكبر من الفرق لتطهير تلك المناطق.
- هل يمكنك أن تتصور أن يقوم الحوثيون بتسليمك خريطة توضح أماكن زرع هذه الألغام الأرضية يوماً ما؟ وإذا لم يحدث ذلك، فما هو السيناريو الذي يمكن مواجهته؟
- يؤدي فقط إلى تأخير المشكلة، وزيادة عدد الضحايا، وزيادة عدد العاملين في عمليات إزالة الألغام على مدى السنوات المقبلة.
- هل تعتقد أن أمامنا سنوات أم عقود؟
- إذا كان لدينا ما يكفي من التمويل والفرق والمعلومات، اعتقد سيستغرق الأمر عشر سنوات أخرى.