الأخبار

يبدو أن معاناة اليمن لن تعرف انفراجا في المستقبل القريب، فلا تلوح في الأفق أي أمل في حلحلة الأزمة. إن اليمن اليوم يقف عند حافة كارثة إنسانية كبرى، إذ تشهد الأوضاع تدهورا سريعا بسبب مئات الآلاف من الألغام الأرضية غير محددة المواقع التي زرعها الحوثيون والتي تعد أعتى حصونهم الدفاعية.
وقد أودت هذه الألغام بحياة المئات من اليمنيين وأسفرت عن إصابة الآلاف، فالألغام الأرضية التي غطت اليمن بإمكانها قتل المدنيين أو تشويههم لعقود قادمة كما فعلت في دول أخرى مثل كولومبيا وكمبوديا.
فالحوثيون زرعوا ما يزيد عن مليون لغم، أي أكثر من لغم واحد لكل 30 مواطنا يمنيا، وهو الأعلى تركيزا للألغام في أية دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، مما تسبب في خسائر فادحة للسكان الذين خسر العديد منهم حياته فيما أحيل الآلاف إلى الكراسي المتحركة علاوة على تهجير وتشريد آخرين وحرمانهم من مزارعهم التي باتت مفخخة بالكامل.
هذا ويواجه قرابة 14 مليون شخص خطر الموت جوعا أو جراء الإصابة بوباء إما بسبب زرع الحوثيين للألغام في الطرقات مما يشكل عائقا أمام المنظمات أو لمنع الميليشيات دخول المساعدات إلى المناطق المحتاجة مما يجعل اليمن ينزلق نحو كارثة كبرى نظرا لوصول المشكلة إلى مستوى استثنائي إذ أن معظم الخسائر البشرية من المدنيين الذين وقعوا بين مطرقة الفقر والجوع والمرض وسندان الألغام.
فلا تفتأ الحركة الانقلابية تزرع الموت أينما ارتحلت ولم تفلت شبرا من أرض اليمن إلا ووضعت فيه بصمتها حتى بات السير في تلك الرقعة الجغرافية كرحلة موت لا يعلم صاحبها إن كان سيعود سالما أو مجزء إلى أشلاء.
ورغم هذه المآسي ما زالت ميليشيا الحوثي ماضية في زرع الألغام بصفة مكثفة خاصة في المناطق التي انسحبت منها غير آبهة بمعاناة العائلات ومصيرهم ضاربة عرض الحائط كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وحملت أساليب وطرق زرع الألغام والعبوات الناسفة قدرا من التنوع يبين ما تحمله الجماعة من دموية وغدر حيث تتم عملية التفخيخ بطرق غير متعارف عليها منها زرع لغم تحت لغم آخر لكي ينفجر إذا تم نزع الأول.
وللسائل أن يسأل من أين تأتي هذه الميليشيات بهذا القدر من الألغام؟ الإجابة كشفتها عديد المنظمات التي عثرت على أدلة تثبت أن إيران هي من يزود هذه الميليشيات بالألغام والمعدات اللازمة.
كما خلصت منظمة Conflict Armament Research إلى أن مكونات الألغام أو الفخاخ المماثلة التي صنعها الحوثيون منشؤها إيران ويبدو أن الحوثيين أسسوا مصانع بغرض إنتاج ألغامهم الأرضية الحاملة لأرقام متسلسلة ما يؤشر على ضخامة الإنتاج.
لكن زراعة الموت هذه لم تثن فرق مسام الهندسية على المضي في عملها غير عابئة بالمخاطر والضريبة التي يدفعونها ثمنا لعملهم الإنساني ولجسارتهم في مكافحة إرهاب الألغام الحوثية، فقد تمكنت هذه الفرق من نزع قرابة 70 ألف لغم وعبوة غير منفجرة وإتلاف عشرات الآلاف منها لضمان عدم استخدامها من أي طرف مستقبلا.
وقد أشاد فريق إعلامي إيطالي بهذا العمل الإنساني لمشروع مسام الهادف لإنقاذ اليمنيين من خطر الألغام وذلك خلال زيارتهم لليمن لتغطية الأحداث في مختلف المجالات حيث استقبلهم مشروع مسام في مقره بمحافظة مارب اليمنية.
واستعرض نائب مدير عام المشروع غس مارتينز عمل الفرق الميدانية الموزعة على خمس محافظات وأطلعهم على حجم المخاطر والصعوبات التي تمكنت الفرق من تجاوزها بفضل خبرتها.
من جانبه، نوه مراسل صحيفة لاستامبا الإيطالية جوردانو استابليه، بما لاحظه من تناغم وتكامل في فريق مشروع مسام مشيرا إلى أن هذا العمل سيعيد الأمل لليمنيين بعد أن تسببت الألغام في كارثة إنسانية را ضحيتها مئات الأبرياء.
فيما أكدت الصحفية “كيارا كلاوزي” مراسلة صحيفة بانوراما على الدور الإنساني الكبير لمشروع مسام مبينة حرص المملكة العربية السعودية على تأمين حياة اليمنيين وهو ما دعمه مراسل وكالة “نوفا” الإيطالية الدكتور ماسيمليانو بولوني بقوله “إن خطورة وتنوع الألغام في اليمن كانت تحتاج إلى فريق يحمل خبرة في هذا المجال وهو ما تحقق في مشروع مسام”، مردفا أنه وزملاؤه كانوا شهودا على جرائم بحق الإنسانية مارسها الحوثيون حيث فخخوا منازل النازحين العائدين إلى منازلهم بعد تحريرها مشيرا إلى كبر حجم الكارثة بسبب الدعم الإيراني للانقلابيين.
إن الدور الهام الذي يقوم به مشروع مسام لتخليص اليمن من آفة الألغام التي تنغص حياة سكانه وتجعل اليمن قاب قوسين أو أدنى من كارثة إنسانية لن يكون كافيا مالم يجد الدعم اللازم من المجتمع الدولي الذي مازالت تحركاته محتشمة تجاه ما ترتكبه الجماعة الحوثية من جرائم في حق الأبرياء.