الأخبار
ما الحياة في اليمن سوى موت ودمار وجوع، فاليمنيون في كرب عظيم في أن طفت هذه الجماعة على الساحة ليس بسبب الانقلاب فحسب، وإنما بسبب الطريقة التي يسير بها هذا الانقلاب.
لقد ترتب على هذا الانقلاب مآسي لم تحدث في تاريخ اليمن الحديث، إذ قتل الآلاف وأصيب واعتقل عشرات الآلاف من أبناء هذا البلد وصودرت الحريات ونشطت آلة القمع والإرهاب.
بسبب وطأة الانقلاب وكثافة ألغامه الغافية في أديم الأرض، لم يلتحق الكثير من التلاميذ بمقاعد دراستهم وبمدارسهم التي فخخت والطرق المؤدية إليها، ولم يستطع الفلاحون أن يستصلحوا أراضيهم أو أن يقطفوا ثمارها، ولم تحظ النساء الحوامل بالرعاية الصحية اللازمة عند الولادة ما انجر عنه إما وفاة الأم أو وفاة جنينها، كما لم يظفر عديد الأطفال بحياة طبيعية نتيجة خسارتهم لأطرافهم التي سلبتهم إياها العلب القاتلة.
وكانت تقارير حقوقية قد كشفت أن عدد ضحايا الألغام الحوثية تجاوز الـ10 آلاف يمثل الأطفال والنساء الغالبية العظمى، وكان لتعز النصيب الأكبر من حيث عدد الألغام المزروعة وعدد ضحاياها تلتها محافظة الحديدة ثم محافظة عدن.
لقد تمت زراعة الألغام في اليمن بشكل مموه وعشوائي، بحيث يصعب اكتشافها، في الطرق الرئيسية والفرعية وفي المنشآت العامة كالمدارس والمرافق الخدمية وكذا في المناطق التي يستخدمها السكان قرب الآبار، وفي المناطق المخصصة لرعي الماشية وفي الحقول الزراعية وغيرها من المناطق المأهولة.
كما أقدمت الميليشيات الإرهابية على تغيير الخواص الفنية للألغام بحيث تحولت من ألغام مضادة للآليات إلى ألغام فردية بهدف استهداف أكبر قدر ممكن من المواطنين اليمنيين.
ما سلف ذكره، يؤكد النفس الإجرامي لهذه الجماعة التي تقتات على معاناة شعب على أمل أن تشبع رغبتها الجامحة في التشفي.
ولم يكن الوضع مختلفا في محافظة الجوف أين أودت الألغام بحياة 190 شخصا وتسببت بجرح وتشويه وإعاقة 385 حالة إضافة إلى 78 حالة تدمير لمركبات ونحو 165 حالة أضرار نفسية لحقت بأقارب وأسر الضحايا، وذلك حتى موفى العام الماضي.
أما في قرية الشقب التابعة لمحافظة تعز، فقد قضت الألغام على 21 فردا ثلثهم نساء وأطفال عدا عن الإصابات التي تتزايد يوما بعد يوم.
مقصلة الألغام لا تعرف الوجوم ولا السكون، يوميا تحصد رقاب اليمنيين الأبرياء وترمي بالبقية في غيابات الزمن الذي لا يعلمون تقلباته في ظل وجود هؤلاء المتمردين. لكن يبقى هناك ما يبعث الأمل في نفوس اليمنيين ويجعلهم ينظرون للمستقبل بأعين حالمة، إنه مشروع مسام الذي يبذل عاملوه أقصى جهودهم لإنقاذ حياة الناس من فتك تلك الفخاخ المنفجرة والمنتشرة على أرض بلدهم. فخلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر، استطاع المشروع نزع 1630 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة وتطهير 280.891 مترا مربعا من الأراضي اليمنية.
كما نفذ خبراء مسام زيارة تفقدية إلى منطقة شعب الماء في مديرية ذباب بمحافظة تعز، وذلك لمسح المنطقة وتحديد المساحة المشتبه بتلوثها بالذخائر غير المنفجرة والقذائف التي تهدد أمن المواطنين وسلامتهم.
في ظل غياب خرائط الألغام المزروعة من قبل جماعة الحوثي، تبقى عملية البحث عن هذه الآفة المدفونة مضنية. لكن ذلك لم يثبط عزيمة فرق مسام بل زادهم إصرارا على خوض هذا التحدي والوقوف في صف أصحاب الحق رغم المخاطر المحدقة بهم.