الأخبار
لطالما تردد وصف “اليمن السعيد” منذ عقود على مسامعنا كلما ورد ذكر أرض هذا البلد. لكن أين السعادة التي يتحدثون عنها وسط الركام والجثث والعويل؟ بالكاد يجد المتأمل اليوم شاهدا واحدا على صحة هذه العبارة التي أطلقت عليه منذ ما يزيد عن قرن من مستشرفين غربيين، عندما كان اليمن يتزين بشيء من تاريخه العظيم قبل أن يغرق في مستنقعات الحروب والانقلابات.
وما جرى في صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر لعام 2014 ما هو إلا حقبة من التاريخ الطويل لمعاناة هذا البلد وشعبه.
لقد اغتالت الميليشيات الحوثية القانون والدستور ووأدوا كل الاتفاقيات الرامية إلى إحلال السلام وقتلوا كل صوت مناهض لسياستهم البغيضة.
فكان مكر الليل ودهاء النهار سلاح هؤلاء الانقلابيين الذين سعوا بكل الطرق إلى تدمير هذا البلد وإبادة سكانه.
ففي دراسة ميدانية وبحثية موسعة أجراها مركز “أبعاد” اليمني للدراسات والبحوث حتى العام 2018، تظهر أرقام مخيفة تتعلق بجرائم الحوثيين حتى نهاية 2017 في اليمن عدا عن تدمير البنى التحتية والحياة الاجتماعية من خلال تقويض الأمن وظروف الحياة الطبيعية، إضافة إلى تعطيل عجلة الاقتصاد اليمني ومواجهة أي محاولات لإنهاء الانقلاب والبدء بعملية سياسية تعيد الاستقرار.
وقد كان للألغام دور محوري في إلحاق الأضرار بهذا البلد وهدر دماء أبنائه وإشاعة الخوف بين المدنيين. حيث زرعت الميليشيات الانقلابية هذه العلب المنفجرة في جميع المناطق التي وصلوا إليها وكذا استمروا في طمرها بطرق عشوائية وأخرى نظامية وبكميات كبيرة لفرض سيطرتهم بالقوة وإرضاء غرورهم.
لقد ابتلي اليمن بالألغام منذ عقود مضت، لكن ما زرع خلال فترة الحوثيين كان الأعلى والأخطر نظرا للكميات الهائلة التي وزعت على هذه الأرض الطيبة، فاغتالت طفولتها وهدمت بيوتها وأهلكت زرعها ولوثت مياهها.
لكن المأساة لم تقف عند كمية الألغام المزروعة، وإنما صارت البلاد تواجه تحديا آخرا متمثلا في حالة الفوضى التي أسست لها زراعة الموت هذه.
فعادة ما تزرع القوات النظامية الألغام بنمط معين بحيث يمكن جمعها في مرحلة ما بعد الصراع.
لكن في اليمن المنكوب، تم نشر الألغام يدويا من دون اعتماد نمط أو سجل يمكن تحديده. علاوة على ذلك، يمكن للأعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية أن تبعثرها من مواقعها الأساسية.
ونتيجة لذلك، يمكن إيجادها على طول الطرق الرئيسية فضلا عن المنازل والآبار والأودية.. وفي جميع البلاد حتى أصبحت مساحات شاسعة من الأراضي غير صالحة للسكن بسبب الألغام.
ولانتشال اليمن من هذا المستنقع وفي محاولة لزراعة الحياة بدل الموت، تعمل فرق مشروع مسام الهندسية على إزالة الدنس الذي ألحقته هذه الجماعة الانقلابية بالأراضي اليمنية علها تستطيع إنقاذ المدنيين من جحيم هذه الكارثة التي حلت بهم.
وكانت غرفة عمليات المشروع قد أعلنت أن الفرق الميدانية تمكنت من نزع 1413 لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة خلال الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر الحالي ليرتفع العدد الجملي للمتفجرات المنزوعة منذ بداية عمل المشروع ولغاية 16 من الشهر الجاري إلى 192467 ولترتفع معه مساحة الأراضي المطهرة إلى 15.289.581 متر مربع.
على المدى القريب والبعيد ستظل تبعات زراعة الألغام ومخاطرها تشكل كارثة متجددة. حيث سيبقى هذا البلد يعاني من هذه الآفة لعقود قادمة وستواصل الإضرار بالمدنيين وسبل عيشهم.