الأخبار
كان القرن العشرون الأفظع في تاريخ البشرية، لأن الصراعات التي شهدها استخدمت أنواعا وأشكالا من السلاح لم يعرفها العالم من قبل، وقد كانت الألغام أكثرها شرا وفتكا. عمر الألغام لم يتجاوز القرن حيث بدأ استعمالها خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم أن الدول الأوروبية المتصارعة حينها هي التي استخدمتها، إلا أنها زرعتها في مناطق صراعها خارج أوروبا نظرا لمعرفتها بخطورتها التي تمتد لسنوات.
وتمثل الألغام آلة حصد الأرواح التي تلجأ إليها كل جهة تود الإنتقام من خصمها، وهو ما فعلته الميليشيات الحوثية في اليمن حيث جادت عليها بأعداد هامة من الألغام، حتى بات هذا البلد من أكثر الدول معاناة لانتشار بذور الموت بل وترى بعض المنظمات المختصة أن اليمن تتصدر القائمة في هذه الكارثة مع دول أخرى على غرار سوريا والعراق إذ تعد من أكبر حقول الألغام على وجه الأرض.
فمنذ بداية الإنقلاب وإلى حد هذه اللحظة اعتمدت الميليشيات الحوثية سياسة ممنهجة في استعمال الألغام في حربها العبثية ضد الشعب اليمني وجيشه الوطني والقوات المساندة له، إذ دأبت على زرع مئات الآلاف من الألغام المضادة للأفراد والمضادة للمركبات في كل منطقة تدخلها أو تتصدى لها مركزة على الأماكن المكتظة والآهلة بالسكان ومداخل المدن ومخارجها والقرى والمزارع إضافة إلى طمرها في المنازل والأحياء السكنية التي جابهت وجود هؤلاء المتمردين لتضمن استهداف سلاحها المفضل لأكبر عدد ممكن من المواطنين. الألغام زرعت في جوف الأراضي اليمنية حتى تحصد أرواح كل من يقترب منها ولتكون آلة الإرهاب والموت الخفية التي تفتك بأبناء هذا الشعب.
وقد منح الدعم المقدم من إيران الإنقلابيين قدرة على تصنيع مئات الأشكال من الألغام محلية الصنع لمجسمات تتماهى مع الطبيعة، وسبق أن اتهم قائد محور البقع بمحافظة صعدة العقيد هاني باسلامة النظام الإيراني بالوقوف وراء تطوير صناعة الألغام الحوثية وزراعتها وتقديم الخبرات العسكرية للانقلابيين لقتل الأبرياء ونشر الإرهاب في اليمن، مشيرا إلى أن الميليشيات لم تعد تمتلك القوات الكافية للمواجهة وهي أضعف من أي وقت مضى وتخسر يوميا العشرات من مسلحيها لذلك هي لجأت للتكتيك الإيراني في زراعة الألغام بمختلف المناطق للانتقام من أبناء اليمن ولإعاقة تقدم القوات.
أكثر من 30 مليون يمني يعيشون في خطر محدق مع كل خطوة يخطونها جراء الألغام المبعثرة هنا وهناك والتي تعمل بصبر وصمت للنيل من الضحايا على اختلاف أعمارهم ووظائفهم، فلم ينجو منها الفلاح الذي يحرث أرضه، ولا الطفل الذي يلهو مع أترابه في الشارع أو الصياد الذي يسعى وراء رزقه. بالتالي وضع النشاط الحوثي في زراعة الألغام “بصمة دم” على التراب اليمني.
لقد أنهت مصائد الموت حياة البعض وقضت على أحلام البعض الآخر، وأصبح اليمنيون يعيشون في الجحيم يوميا بسبب الألغام التي وقفت عائقا أمام ممارسة حياتهم الإعتيادية وأمام وصول المساعدات لهم، علاوة على تهجيرهم القسري من منازلهم، وهو ما يجعل من التحرك الأممي حيال ما يحدث في اليمن أمر ضروري وغير قابل للتأجيل.