هل جربت يوما أن تأكل، أن تتنفس أو أن تنام كميت؟ هل جربت أن تعانق أشد كوابيسك رهبة وبشاعة؟ هل جربت أن تعيش وتتعايش مع الخوف؟ قد تبدو هذه الأسئلة للبعض مجرد هراء لكن للأسف الشديد هذا هو واقع اليمنيين الذي يصافحونه يوميا.
لا أعلم كيف يثبتون لأنفسهم أنهم مازالوا أحياء وسط هذا الركام من الخراب والآلام والأوجاع؟، كل يوم يتفقد اليمني جسده عندما يستيقظ خوفا من فقد أحد أعضائه التي تسلب بفعل الألغام.
بعضهم ما عادت أطرافهم تقوم بوظائفها الروتينية، حيث بات منهم من يملك يدا واحدة كافية فقط لمسح دموعه. ومنهم من يملك أذنين لكن واحدة صماء نتيجة انفجار قوي وأخرى تقوى على تمييز الأصوات بصعوبة.
وآخرون كان لكل واحد منهم قدمين لكن سلبت إحداهما ليبقى طول الوقت جالسا حبيس زاوية.
هذا هي حالة أبناء اليمن الذي يرزح منذ ما يقارب السبع سنوات تحت تغول ميليشيات الحوثي وألغامها المنتشرة في كامل أنحاء البلاد.
خلال السنوات الماضية، مرت على المواطن اليمني عدة أزمات وأوجاع وأمراض وأوبئة وفقر وفوق كل ذلك حرب ودمار وتشرد ونزوح.. لقد طوق اليمن بألغام الحقد والكراهية.
ويوما بعد آخر، تنكشف حجم الكارثة التي تنتظر الشعب اليمني نتيجة وجود علب القتل إضافة إلى حجم الجرائم والانتهاكات التي يمارسها المتمردون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ولم يكن مقتل والد الطفل عبده الرزيقي بانفجار لغم زرعته الميليشيا الإرهابية قرب المزرعة الواقعة في منطقة الرمة التابعة لمديرية المخا، حالة نادرة منذ الانقلاب الحوثي على السلطة في 2014 وما تلاها من غزو المدن اليمنية، إلا بوابة لجحيم ألغام باتت تمثل تهديدا خطيرا لحياة المدنيين.
يأتي ذلك فيما تواصل الفرق الهندسية التابعة لمشروع مسام إنقاذ اليمنيين من خلال العمل على نزع شياطين الموت الموزعة في المناطق المحررة.
لقد فاقت إنجازات المشروع عمره حتى صار محط أنظار المجتمع الدولي لما يقدمه من خدمة نبيلة تنقذ المتضررين وتساعدهم على عيش حياتهم بشكل طبيعي بعد أن فقدوها.
وفي إطار خطة الطوارئ، تمكن الفريق 21 مسام من انتزاع 52 لغما مضادا للأفراد خلال يومين من العمل في منطقة العمري بمديرية ذباب، بعد تلقي بلاغ عن حدوث انفجارات راح ضحيتها عدد من مواشي المواطنين نظرا لأن هذه المناطق تعد مناطقا للرعي. ولازال العمل مستمرا إلى حين إزالة آخر لغم.
رحلة تأمين الحياة ما تزال طويلة تخوضها فرق مسام بعزيمة وإصرار كبيرين إيمانا منها بقداسة الرسالة الإنسانية التي قدموا من أجلها إلى أرض هذا البلد المجروح، تنير دربها عقيدة راسخة بحق الإنسان في الأمن والسلام والكرامة.
أيادي رسمت بأناملها دربا يشعر فيه اليمني أنه بمأمن عن خطر الميليشيات الإرهابية وسلاحها الغادر الذي روعهم وسلبهم الراحة والسكينة.