في اليمن، أصبح كل شيء على غير عادته، فلا الشمس تشرق بهدوء، ولا القمر يضيئ لينير الظلمات، ولا العصافير تشدو بألحان السعادة حتى الأشجار لا صوت لها فقط هي تقف شامخة.
في اليمن، ما عاد الأطفال يلهون ويلعبون كالسابق فما عادت هذه الأشياء تعنيهم، فقد كبروا قبل أوانهم وخطف منهم الإنقلاب أحلى سنوات عمرهم كما سرق من الأمهات السعادة في رؤية فلذات أكبادهن يكبرون أمام أعينهن وهم ينعمون بطفولتهم مثل أترابهم في العالم.
في تلك المساحة من العالم تواسي الآلام نفسها بسبب ما ترتكبه الميليشيات الحوثية من إنتهاكات جسيمة في حق البلد والشعب حتى صارت رائحة الأحزان تملأ أرجاء المكان.
صور مختلفة لإنتهاكات الحوثي بحق المدنيين الذين دفعوا ضريبة كبيرة على مدى السبع سنوات الفارطة. فمن لم تقتله الألغام أو أقعدته الإعاقة، أنهكه المرض أو فقد أحد أفراد عائلته بآلة الإرهاب الحوثية ليبقى يندب حزنه.
فعلى مدار السنوات المنصرمة، ظل المدنيون هدفا رئيسيا للبطش والإرهاب الحوثي بالإعتماد على الألغام التي زرعت مأساة إنسانية لم تطلها أنظار الرأي العام الذي غض البصر عمدا فظلت حبيسة تلك الرقعة الجغرافية.
لقد حولت الميليشيات مساحات شاسعة إلى حقول موت تلتهم كل من يخطو عليها مما منع المزارعين من إستصلاح أراضيهم و حصد ثمارهم أو العودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها خوفا من بطش هؤلاء المرتزقة.
ويزداد الأمر صعوبة في المناطق التي تشكل الزراعة مصدر الدخل الوحيد لأغلب سكانها الذين يقيهم من بؤس الحاجة والإفتقار، ليجدوا أنفسهم وقد أضحوا معدمين يتربص بهم الجوع والتشرد بعد أن طوقتهم جماعة الحوثي بالموت من كل مكان وسلبت منهم مساحات زراعية واسعة.
وتدون الميليشيات كل يوم صفحة دموية جديدة في كتاب الإجرام تخطها ألغامها التي أبدعت في صناعتها وتفننت في زراعتها، لتضيف يوميا عددا من الضحايا إلى قائمة إنجازاتها التدميرية.
إن الواقع الذي يريد هذا الفصيل فرضه بالقوة هو واقع موجع مبني على تحقيق مصالح شخصية مشبوهة لجهة معينة ولأشخاص ليسوا أهلا لحمل الهوية اليمنية بل هم وصمة عار عليها.
لقد مثلت الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة، المضادة للأفراد والمركبات، أو البحرية، محلية الصنع أو المستوردة وخاصة ذات الأوزان الصغيرة، أحد مصادر التهديد غير المرئية التي تواجه أمن اليمن واستقرار مجتمعه.
لكن التاريخ الذي دون السجل الأسود للمارقين سيشهد أن هناك من وضع حياته على المحك لإنقاذ أبرياء لا تربطه بهم سوى علاقة الجوار أو الرابط الإنساني، عاملو مسام ضحوا بكل غال ونفيس من أجل الذود عن تراب اليمن ولم يرضوا أن تطفأ شعلة الأمل بسبب شرذمة من أبنائه العاقين.
لقد وقف مشروع مسام سدا منيعا في وجه الطامعين والطغاة فانتصروا بقوة إيمانهم وعقيدتهم على ألغام الغدر المغروزة في خاصرة البلد. فتمكنوا من إعادة الحياة لعدد من المناطق بعد أن قاموا بتطهيرها من فخاخ الموت.
وكان المشروع قد نفذ مؤخرا عملية إتلاف وتفجير لـ1720 لغما وقذيفة غير منفجرة في منطقة عقان بمحافظة لحج. وهي العملية رقم 63 في قطاع عدن والساحل الغربي ليرتفع عدد عمليات الإتلاف التي نفذها المشروع في اليمن إلى 114 عملية. وتعد هذه العمليات هي الضمان الوحيد لإيجاد بيئة خالية من الألغام عدا عن ضمان عدم استخدامها مجددا لإرهاب المدنيين.
إن الألغام التي تتوارى خلفها جماعة الحوثي لكسب شرعيتها ستزال وسيزول معها زيف هذه الجماعة ويظهر وجهها الدميم ومخططاتها الإرهابية للعلن بعد أن استشرى بالخفاء كالسرطان في الجسد اليمني.