الأخبار
القصف من فوقهم والألغام من حولهم في كل مكان.. لا مفر، فالبقاء هلاك، والفرار إلى مناطق أكثر أمنا، طريق محفوف بسيناريوهات مروعة ترسمها الألغام المنتشرة كالفطر السام في الربوع اليمنية في ذهن الفارين.
سجل الألغام العشوائية الدموية يحدثهم أنهم مقبلون إما على فقدان أحد أفراد العائلة أو بعضها أو كلها، أو خسارة طرف أو أطراف بعد انفجار لغم ما في أي مكان قد تطأه قدم عابر سبيل، أنهم في كل الحالات على موعد مع نفق آلام أخرى ومآسي قوامها حسرة، دموع، بتر الأطراف، والبحث عن أخرى اصطناعية، وتغير مجرى حياة الضحية إلى الأبد.
خيارات مرة كالحنظل، يتراقص فوقها الموت، والهلاك والمآسي على مدار الساعة، والأمان يكاد يكون معدوما، فحتى المناطق التي خسرها الحوثيون وانسحبوا منها فرارا، تستوطنها معسكرات الألغام المتعطشة للدم.
وكأنما جرائم حرب التي تقترفها الميليشيات بحق المدنيين وتضطرهم للهروب من جراء القصف، غير كافية ولم تشف الغل الذي يسكن صدرها على شعب لم يقترف ذنب سوى أنه رابط في أرضه ودياره وحول مواشيه وممتلكاته وتمسك بالحياة ورفض بيع وطنه وهجره.
غليل جعل هذه المليشيات تعتمد القصف الجائر أسلوبا لدفع المدنيين للفرار من الموت، ليجدوا في مسالك هروبهم المختلفة ضروبا من مصائد الألغام، تنتظرهم لتذيقهم عذابات جديدة تبدأ بالموت، وتمر بالعجز، وتصل إلى شل مصادر عيشهم، ودراسة أبنائهم.
سياسة ترويع، ترهيب، تهجير، تجويع، تمارسها هذه المليشيات بحق المدنيين العزل، فمخيم “الجشّة” شمال الخوخة الذي لم يعد يتسع للنازحين الوافدين إليه، إلا أن المعاناة فيه تجد من يتزاحم لأجلها.
فآسيا أحمد، نازحة تقاسي ألوان العذاب، بعد انفجار لغم بها وأسرتها في “المدمن” بالتحيتا، مما جعلها طريحة الفراش، وبلا عائل رفقة 5 بنات.
أما الطفل منير فمصير لا يختلف كثيرا عن حال آسيا، إذ يسكن هو الآخر وأسرته، في مخيم النزوح، عقب انفجار لغم بقدميه قرب مدرسته في حيس، واليوم تراود منير أمنية مفادها، مدرسة وبيت من دون ألغام، بعد علاجه من آثار ما ألم به بسبب لغم غادر.
مرارات بالجملة تسكن أيام اليمنيين وتمعن الألغام في تعتيقها وإحكام زج المدنيين في عنق الزجاجة، والعالم يصم آذانه ويغمض أعينه على آلام هؤلاء، ونحن نقول كما قال السيد أسامة القصيبي مدير عام مشروع مسام.. هذا المشروع السعودي النبيل لنزع الألغام في اليمن، “نحن هنا أين أنتم؟”، ونضيف “أما آن لكم أن تضعوا اليد باليد للقضاء على الألغام وتحرير شعب بأكمله من حزام النار الحوثي الملغوم؟، فالتاريخ سيكتب هذه الميليشيات في قوائم الجرم المشهود، وسيكتب أيضا صمت العالم أيضا في قوائم جذلان اليمن في محنته”.