الأخبار
كلفة السلام تقل كثيرا عن الكلفة التي تستهلكها النزاعات والحروب. لكن للأسف الحوثي لا يرغب في الوصول إلى سلام حقيقي ولا يريد أن يمضي على صك هزيمته كما أنه لم يتوقف عن ممارسة ألاعيبه.
فالحديث عن “حل سلمي” مع هذه الجماعة هو ضرب من الخيال، حتى حينما تضطر لاستخدام هذه العبارة فذلك يدخل ضمن تكتيك مرحلي لكسب الوقت لإعادة ترتيب صفوفها ولكي لا تتهم بأنها لا تريد حلا سياسيا، لكن في الوقت ذاته تواصل غرز خنجر غدرها في الجسد اليمني ضاربة كل مخطط أو فرصة لتحقيق السلام.
الآلة الحوثية لم تتوقف عن حصد أرواح الأبرياء ولم ترأف يوما لحال يمني واحد. في كل يوم وفي كل لحظة تبرهن هذه الميليشيات أن أفرادها ما هم إلا وحوش آدمية تجردوا من إنسانيتهم ومن ضمائرهم حتى صاروا لا يكترثون للخارطة التي تسببوا في تفحمها بألغامهم المنتشرة في أرجائها.
لقد تحدثت عديد الدراسات عن حاجة اليمن لعشر سنوات كحد أدنى للتعافي مما هو فيه الآن. من كان يتصور هذه الكارثة؟، كارثة أن يتسلل أحدهم إلى 10 سنوات قادمة من حياتك ويعمل على إفراغها من القيمة الحقيقية لها، 10 سنوات ستمر بمحاذة حياة اليمنيين وأحلامهم وسعادتهم وتطلعاتهم. نعم هذا ما يرنو إليه الحوثي: حرمان اليمنيين من حاضرهم ومستقبلهم.
أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع هذه الوحشية وهذا الواقع المرعب الذي خطته جماعة الحوثي والذي لا يمكن الوقوف على فواجعه وأهواله التي تتجاوز نطاق العقل والمنطق والتفكير.
منذ إنقلابهم على الشرعية والميليشيات الحوثية تسعى إلى وأد اليمنيين وتجريف الأراضي من خلال زرع ما يزيد عن مليوني لغم بمختلف أشكالها وأحجامها.
ويمكن اعتبار محافظة الحديدة مثالا بسيطا لما يحدث في اليمن، حيث أكد قائد الفريق 26 مسام المهندس سامي سعيد أن ميليشيا الحوثي أمعنت في إجرامها بزراعتها لعشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة بشكل عشوائي وكثيف في 10 مديريات منها مديرية الخوخة التي يواجه سكانها مصيرا مجهولا على غرار بقية المناطق.
وقد تمكن هذا الفريق المكون من 6 نازعين وملحق طبي خلال ما يزيد عن عام من نزع 12 ألف لغم وعبوة ناسفة وقذيفة غير منفجرة من 16 حقل ومنطقة ملغومة، ناهيك عن تأمين جميع الطرق الرئيسية وأغلب الطرق الفرعية و46 مزرعة كانت معرضة للتصحر بسبب الألغام واستطاع أصحابها استصلاحها وزراعتها مجددا وذلك بفضل مجهودات هذا الفريق.
لقد تمكنت فرق مشروع مسام في مديريات الساحل الغربي من إعادة الحياة لهذه المناطق بعد أن أمنت مزارعهم ومنازلهم وطرقهم وأزالت حاجز الخوف من أمامهم. لكن ستظل بصمة الدم محفورة هناك وستبقى علامات الإجرام مرسومة على أجساد المدنيين.
مر اليمن بعديد الأزمات والنزاعات، لكن سيظل الإنقلاب الحوثي علامة فارقة في تاريخ هذا البلد لما سببه من ألم ومعاناة له ولأبنائه. إنها الحقبة الأسوء التي ستبقى راسخة في أذهان اليمنيين بجراحها الغائرة التي لن تندمل بسهولة.