الألغام هذا الابتكار غير الإنساني يعود تاريخه إلى القرن 13 ميلادي، وتحديدا إبان معارك ضارية خاضتها أسرة “سونغ” الصينية الملكية الحاكمة ضد المغول. وقتها جرى استخدام قذائف مدفعية مصنوعة من الحديد المحشو بالبارود. وظلت هذه القذائف تتطور إلى أن حدثت الطفرة الكبيرة في أوروبا على يد البحار والمهندس العسكري الإسباني بيدرو نافارو الذي طور الفكرة لتستخدم كلغم يدفن تحت الأرض. ثم جاء المهندس العسكري الألماني صمويل زيمرمان ليطور ويحسن من أداء الألغام الأرضية. ثم توالت الإضافات لتجعل من اللغم الأرضي منخفض التكلفة من حيث التصنيع باهظ الثمن من حيث الإزالة وعلاج الآثار لمن يبقى على قيد الحياة.
واليمن يدفع اليوم ثمن هذا الابتكار الدموي من أرواح أبنائه وسلامتهم. قصة معاناة تعجز الأيادي عن تدوينها، حكاية تحكى من قلب الواقع المؤلم. فاليمنيون يعيشون منذ سبع سنوات بين الأوجاع والآلام، فمنهم من فقد أحد أفراد عائلته ومنهم من تشردت أسرته ومنهم من أصيب ومنهم من مات تاركا خلفه حلما لم يحقق وحسرة لا تجبر. كل ذلك بسبب “حدائق” الشيطان الممتدة على مساحات مترامية.
فقد زرعت الميليشيات عشرات الآلاف من الألغام بشكل عشوائي قبل انسحابها من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم. إذ جادت الجماعة على الأرض اليمنية بأنواع مختلفة من المتفجرات فمنها الأرضي والفردي والمموهة والعبوات الناسفة المتفجرة عن بعد، بعضها مستورد والآخر محلي الصنع.
لقد عمت الفوضى والانفجارات كل المناطق اليمنية، فسقط على إثرها المئات من السكان بين قتلى ومصابين ومعاقين، فيما حوصر آخرون وأصبحوا غير قادرين على ممارسة حياتهم الطبيعية نتيجة الأعداد الكبيرة لعلب الموت التي احتلت أرض اليمن.
انتهت المعارك في بعض المناطق وتحررت من ظلم الميليشيات، لكن الموت الذي خيم على مدار السنوات الماضية على تلك المدن والقرى يأبى أن يفارقها. فالحوثي غادر الأرض وترك خلفه رسائل الموت الخفية على شكل ألغام تحصد أرواح الباحثين بين أكوام الأنقاض عما يوفر لهم مداخيل للعيش والأطفال الذين يأخذهم الفضول إلى مخابئ الموت الكامن.
واليوم تبذل جهود ضخمة من قبل الفرق الهندسية التابعة للمشروع لإزالة الألغام وتفكيكها وإبعاد خطرها عن المدنيين الذين باتوا الهدف رقم واحد لها. لذلك يعد مشروع مسام أمل الشعب اليمني للخروج من مأزق الألغام.
فرق مسام تخوض في إطار مهمتها الإنسانية في اليمن حربا من نوع آخر ضد عدو يربض صامتا بين حبات الرمال وفي بطن الصخور وجذوع الأشجار وحتى لعب الأطفال وغيرها.
وهو ما شارك فيه بعزم حميد بلحط قائد الفريق 1 هو أحد هؤلاء المقاتلين الباسلين الذي تمكن وفريقه على مدار 4 سنوات من تطهير 40 حقل ألغام، منها 17 بمحافظة مأرب، و23 بمحافظة الجوف، حيث قام هذا الفريق بنزع آلاف الألغام والعبوات الناسفة من تلك المناطق.
فالعمل في مجال نزع الألغام من أخطر الأعمال لكن الواجب الإنساني وإنقاذ حياة المدنيين وتجنيبهم خطر الموت الملغوم يستحق التضحية ويدفع المشروع إلى الاستمرار في إنجاز مهمته النبيلة.