الأخبار

الكل كان يظن ان أذى الوضع في اليمن سيكون مؤقت، ولم يخطر ببال أي يمني أن مقدار نقمة العدو منهم قد تصل به إلى حد تفريخ الموت لهم في أراضيهم ومن حولهم بعد اضطراره للرحيل على إثر خسارة مناطق نفوذ بسط عليها.
الكل كان يظن أن الأذى سيكون مؤقتا، كما كل الحروب عبر التاريخ تستعر ثم تهفت وتخمد نيرانها لتصبح رمادا بعد هزيمة طرف على حساب آخر، لكن ما حدث في اليمن حول نزيف الدم إلى جداول تغذي روافده سواقي عدة، ولا يكاد يقف النزيف فيها بسبب سلاح لا يعرف الرحمة ولا يتوانى على تمزيق ضحاياه والنيل من أرواحهم على حين غرة، سلاح الألغام.
فالمليشيات الحوثية التي وجدت نفسها بين مأزقي هبة قوات التحالف للتصدي لأيديولوجيتها المارقة وبين صمود الشارع اليمني ورفضه الإذعان لأي نزعة للتآمر على وطنه، اتجهت الى سلاح الألغام لترشه ملحا على جراح اليمنيين التي تركتها الحرب، وأمعنت فخاخ الموت تلك في فتحها وتأجيج آلامها إلى أبعد الحدود.
فلم يكد الشارع اليمني يلتقط أنفاسه من غبار الحرب والمواجهات الدامية، حتى وجد نفسه أمام مأزق لا يحسد عليه، فأينما داس اليمنيون على أرضهم رجت بهم وانفجرت من تحت أقدامهم، فقد حرث الحوثيون كل شبر مروا به ألغاما بطرق هستيرية وتمويه متقن يكشف تعطشهم للدم.
ورويدا رويدا اتضحت الرؤية مع حلول مشروع مسام لنزع الألغام على أرض اليمن المنكوبة بفخاخ الموت المتفجر، ومفاد هذه الرؤية أن ربوع اليمن زرعت بآلاف الآلاف من الألغام بطرق عشوائية، وأنها تمركزت بصفة كبيرة في المناطق عالية التأثير، وأن حقول الألغام انتشرت في اليمن وغطت السهول والصحراء والجبال في مساحات شاسعة ومتفرقة.
وهنا تبلورت ملامح المأساة، حيث كشفت عمليات النزع والمثابرات الميدانية لمشروع مسام في إطار ماراثونه ضد فخاخ الموت، أن الألغام في اليمن جائحة حقيقية لا يمكن إدارة الظهر لها والسكوت عنها، بل يجب معالجتها بالتحرك الجدي والتعامل المهني معها.
وهو فعلا ما فعله مشروع في اليمن منذ انطلاقه منذ سنتين ونيف، حيث قدم التضحيات وتضافر الجهود وعرف العالم بهذه الجائحة الملغومة التي تستوطن اليمن والتي تحتاج اهتماما إنسانيا موسعا، حتى ينتشل أبرياء اليمن من مستنقع الموت المتفجر وتأخذ جراحهم استراحة مقاتل لتندمل وتعود البسمة للثغر اليمني الواجم وتدب فيه السعادة مجددا، كما عرف عنه بين الأمم الثغر البسام، ثغر “اليمن السعيد”.