الأخبار
يقال أن الصورة تعبر أفضل من ألف كلمة.. الآن هناك صور تعبر عن عشرات الآلاف من الكلمات لارتباطها الوثيق بمعاناة شعوب ليس لهم ذنب سوى أنهم وجدوا في أتون حرب، فأصبحت صورهم لقطات تؤرخ أوجاعا لتحفظها من النسيان.
هذا تماما ما فعلته المخرجة اليمنية الأردنية نسرين الصبيحي في فيلمها “ماذا بقي مني؟” حيث صورت ألم الضحايا الذين فقدوا أطرافهم جراء الألغام الحوثية. فيلم اختصر الكلمات والمسافات وكشف للناس بشاعة الإجرام الحوثي وأماط اللثام عن الوجه القبيح لهذه الفئة التي آثرت التضحية بشعب بأسره حاضرا ومستقبلا في سبيل تحقيق مآربها وحلمها في السلطة.
فمنذ انقلابها على الحكومة الشرعية في سبتمبر 2014 تنوعت جرائم وانتهاكات الميليشيات الحوثية الموالية لإيران بحق اليمنيين ما بين القتل والتعذيب والإختطاف والإعتقال التعسفي وتجنيد الأطفال، لكن تبقى أسوأها زراعة الألغام التي استنزفت آلاف اليمنيين معظمهم نساء وأطفال.
لقد بات اليمن أكبر دولة ملغومة بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن أمطرته الميليشيات الحوثية بكميات هائلة من الألغام تجاوز المليون لغم، لتشكل تهديدا يوميا ولسنوات وعقود مقبلة وتتسبب في قتل وتشويه مئات المدنيين وإعاقة عودة النازحين إلى منازلهم.
وحسب مراقبين، فإن جماعة الحوثي تعتمد على زرع الألغام والعبوات الناسفة والمتفجرات المحرمة دوليا ليس دفاعا عن النفس، بل هي سياسة ممنهجة من أجل استهداف الأبرياء وإيقاع أكبر قدر من الضحايا كسياسة انتقامية من المدنيين في ظل الخسائر البشرية التي تتكبدها في صفوف مقاتليها، إضافة إلى عدم قبول المجتمع لها في المناطق التي تدخلها، لذلك دأبت على ترك بصمتها الدموية أينما حلت وارتحلت.
ولم تستثن السياسة الحوثية في زراعتها للألغام الآبار والمدارس والجامعات ولا الطرقات والمنازل. كما أغرقت البحر ومناطق عبور السفن التجارية الدولية مما يمثل تهديدا لحركة الملاحة الدولية وحرم مئات الصيادين من ممارسة حرفتهم.
وتشكل حقول الألغام كابوسا يؤرق أبناء اليمن. إذ لا يكاد يمر يوم دون وقوع ضحايا بين قتيل وجريح، فقد خلفت الألغام الحوثية قصصا مأساوية ومعاناة مستمرة لضحاياها وأسرهم الذين يضطرون أحيانا للتفريط في ممتلكاتهم لتسديد تكاليف علاج أبنائهم، ناهيك عن دفع آلاف الأسر إلى دائرة الفقر والفاقة بعد فقدان معيليها في حوادث ألغام أو بعد تفخيخ موارد رزقهم.
وفي إطار إعادة الأمل اليمنيين، يبذل مشروع مسام جهودا مضنية لإزالة الألغام وتفكيكها، ويخوض عاملوه يوميا معركة جديدة ضد الوقت بهدف إنقاذ أرواح الأبرياء التي حاصرها الموت المدفون في جوف الأرض.
وفي هذا الصدد تمكن مشروع مسام منذ تأسيسه وحتى الـ20 من شهر فبراير من انتزاع 139787 تنوعت بين ألغام وذخائر غير منفجرة وعبوات ناسفة ليكون هذا العدد رسالة أمل لليمنيين الذين أنهكتهم الحرب الحوثية ومزقت قلوبهم حزنا.
في ظل غياب خرائط توضح مكان طمر هذا السلاح اللعين من قبل جماعة الحوثي، تبقى عملية البحث عن الألغام المدفونة في باطن الأرض متعبة، لذلك يجب على المجتمع الدولي ممارسة الضغوطات اللازمة لإرغام هؤلاء المتمردين على تسليم الوثائق الدالة على مكان زراعة الألغام، الأمر الذي يسهل عمل جميع الجهات العاملة في اليمن لنزع الألغام.