الأخبار

بعد أن أجمع اليمنيون على الخروج من عنق الزجاجة بعد تداعيات “الربيع العربي” والتي تمثلت في المبادرة الخليجية ومخرجات “مؤتمر الحوار الوطني” عام 2013، جاء انقلاب الحوثي على الشرعية في 2014 لينسف ذلك ويربك المشهد السياسي في اليمن وإدخال هذا البلد في دوامة صراع أوشك على إتمام عامه السادس.
فلقد ثقل وزر هذا الإنقلاب على المدنيين خاصة مع تنامي عدد القتلى والمصابين وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وزرع الألغام وارتفاع عدد النازحين وانتشار الأوبئة.
ويعاني اليمن اليوم على جميع الأصعدة، وباتت أناته تسمع على بعد أميال، لقد ألقى الإنقلاب بظلاله على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي والصحي عدا عن الجانب الجسدي والنفسي والغذائي، وصار الوضع كارثيا في هذا البلد الذي يعتبر أشد الدول العربية فقرا.
لم يعد هناك مكان آمن في اليمن، وأضحت المناطق العمرانية معرضة إما للتدمير عن طريق القصف أو باستخدام الألغام التي وزعتها الأيادي الحوثية الآثمة في كل مكان ويمكن رصد الدمار الذي أحدثته هذه الجماعة بسهولة ويسر في عدة مدن على غرار صنعاء وتعز والحديدة.
هذا وتحولت مدن الساحل الغربي وبلداته إلى حقول ألغام، إذ درج المتمردون على زرع آلاف الألغام لمنع تقدم القوات الشرعية وخاصة للانتقام من أبناء الشعب اليمني الرافضين لوجود هذا التنظيم الذي دمر حياتهم وأبكى عيونهم وسرق أحلامهم وآمالهم وقضى على فلذات أكبادهم.
فالحوثيون دأبوا على زراعة الألغام بطريقة عشوائية وبكميات هامة لتكون حصنا لهم خلال تمترسهم في تلك المنطقة وعند الإنسحاب منها يتركون هذه التركة المميتة للسكان لتقضي على أمنهم ولتسفك دماءهم ولتخطف أرواحهم.
وتبذل الفرق الهندسية التابعة للمشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن مسام جهودا كبيرة لإزالة صناديق الحقد متحدين الموت الذي يترصدهم مع كل خطوة.
وقد تمكنت الفرق خلال الأسبوع الرابع من شهر سبتمبر من نزع 560 ذخيرة غير منفجرة وعبوتين ناسفتين و182 لغما مضادا للدبابات و8 ألغام مضادة للأفراد، ليكون المجموع 752 لغما وذخيرة غير منفجرة، ولترتفع حصيلة ما وقع إزالته منذ انطلاق المشروع أواخر يونيو 2018 ولغاية 27 سبتمبر الجاري إلى 91389 تنوعت بين ألغام وذخائر غير منفجرة وعبوات ناسفة.
لكن رغم هذه المجهودات لاتزال المشكلة قائمة وتحتاج إلى تحرك دولي لإجبار الميليشيات الحوثية على وقف زراعة مصائد الموت التي تتسبب يوميا في سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح على غرار ما حصل في الطريق العام الرابط بين منطقتي ردمان وقانية بمحافظة البيضاء حيث قتل مدني وأصيب ثلاثة آخرون من أبناء مديرية الشرية إلى جانب تضرر ناقلاتهم.
والجدير بالذكر أن المئات من المدنيين الأبرياء استشهدوا وجرحوا خلال الفترة الماضية نتيجة انفجار الألغام والعبوات الناسفة التي طمرتها جماعة الحوثي الإنقلابية في الطرق والوديان فضلا عن مئات الضحايا جراء قصف المناطق الآهلة بالسكان.
تعددت الجرائم والضحية واحدة ألا وهو الشعب اليمني الذي تجرع كأس الحنظل جراء الإنقلاب الذي عبث بكل مقومات الحياة وتسلل بسلاحه المتمثل في الألغام إلى حاضرهم ومستقبلهم بكل خبث، إذ ستظل هذه الفقاقيع القاتلة تقبع في أديم الأرض تنتظر فريستها بهدوء وصبر ليعيش المدنيون في رعب دائم خوفا من أن تحيد خطواتهم عن المسار ويخونهم الحظ فيقعون بين براثن عدو لا يرحم يحول أجسادهم إلى أشلاء يصعب جمعها.
هذه الصورة رغم بشاعتها إلا أنها تزرع السعادة في نفوس مريضة اعتادت هدر الدماء وتخضيب الأراضي بها وحرق قلوب الأمهات،نفوس تخلت عن أدميتها فقط في سبيل الوصول إلى السلطة.