الأخبار

لقد صدق عدد من اليمنيين في بداية الأمر ما كان يردده الحوثيون من شعارات ديمقراطية براقة ومن كلام معسول عن العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية ونصرة المستضعفين وغيرها من “الخزعبلات” الحوثية، لكنهم صدموا بعد أن شاهدوا التعصب القبيح وهو يكشف عن وجهه البشع بعد الإستيلاء على صنعاء في سبتمبر 2014 وظهر بالكاشف في طريقة تعاملهم الإنتقامية مع كل مكونات المجتمع اليمني.
هذا التعامل الانتقامي الذي كان بصورة ممنهجة، كشف مدى الحقد الدفين الذي تكنه هذه المجموعة للشعب اليمني وللوطن برمته بل وتجاوزه إلى النقمة على تاريخ اليمن وحضارته، مما حول هذا البلد المليء بزخارف التراث والجمال المعماري إلى كتل من الخراب وأكوام من الرماد والجثث حتى صارت رائحة الموت تفوح من كل حدب وصوب.
كراهية وحقد كبيران تضمرهما هذه الميليشيات لليمن إلى أن باتت نيرانا تلتهم الأخضر واليابس. لقد أعلنت ميليشيا الحوثي حربا شاملة على الأرض والإنسان استعملت خلالها أسلحة متنوعة، لكن لطالما كانت الألغام سلاحها المفضل لنفث سموم بغضها ومعاقبة شعب رافض لوجودها، لذا أصبح قاتلهم المتخفي يظهر دون استئذان ليفاجئ الأبرياء ممن خانهم الحظ ويحولهم إلى أشلاء متناثرة بعد أن وزعته أيادي الحوثيين في كل شبر من الرقعة الجغرافية اليمنية، فتجده في المنازل والطرق والآبار والمزارع، ولم تسلم حتى المدارس والجامعات والمساجد.
وهو ما أكده مدير مكتب التعليم بمحافظة الجوف الدكتور محمد صالح محسن بقوله أن هذه المحافظة تعد من أكثر المحافظات احتواء للألغام التي تنتشر فيها على مساحات كبيرة مما تسبب في سقوط المئات من المدنيين بين قتيل وجريح، إضافة إلى شلل في مختلف مناحي الحياة في المحافظة وخاصة العملية التعليمية نتيجة وقوفها حجرة عثرة أمام وصول الطلاب إلى المدارس، إذ تنفجر صناديق الموت بين الحين والآخر في طلاب المدارس وأسرهم مما يسفر عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتعلمين الأمر الذي جعل طلاب عدد من مديريات المحافظة ينظمون وقفات إحتجاجية للمطالبة بتأمين حياتهم من الألغام والإسراع في عملية نزعها علاوة على المناداة بفرض عقوبات على الميليشيات الحوثية وإجبارهم على التوقف عن طمر هذه الآفة.
أثرت الألغام في الجوف بشكل كبير على جميع القطاعات الخدمية بصفة عامة وعلى القطاع الزراعي بصفة خاصة باعتبارها محافظة زراعية يعتمد سكانها المحليون على الزراعة كمصدر أساسي لإعالة أسرهم.
لقد استخدمت القوات الحوثية في اليمن ألغاما محظورة وتسببت في عديد الخسائر في صفوف المدنيين لتقدم بذلك أدلة جديدة على غطرستها ودمويتها التي ما فتئت تثبتها يوما بعد يوم حيث أسفر انفجار لغم في إحدى القرى التابعة لمديرية التحيتا عن مقتل الشاب علي صالح قاسم قادري الذي عاد جثة هامدة إلى منزل أسرته ليشعل نارا في قلوب أهله، فيما فاجأ لغم أرضي سيارة تحمل إسطوانات غاز أثناء مرورها بالطريق العام في جبهة قانية في مديرية درمان بمحافظة البيضاء مما أدى إلى إصابة السائق.
عمل هؤلاء الإنقلابيون منذ بروزهم في المشهد اليمني على زراعة الألغام في الأماكن العامة والأحياء السكنية والطرقات دون تفريق بين مدنيين وعسكريين فخلال الخمس سنوات الماضية وثقت المنظمات الدولية والإنسانية آلاف حالات القتل والإصابات وعديد الإنتهاكات عدا عن عمليات القنص والقصف.
أسرفت الميليشيات الحوثية في زراعة الألغام حتى باتت أبرز أسلحتها فلا تنسحب هذه الجماعة من مكان إلا بعد أن تجعل منه مكانا منكوبا بمئات الألغام الأمر الذي ينغص حياة الناس حاضرا وسيقض مضاجعهم مستقبلا خاصة أنه يتم طمرها دون خرائط تمكن النازعين من الوصول إليها.