الأخبار
“ابني عمار خرج في الصباح ليرعى الأغنام فانفجر فيه لغم أمامنا ومزقه إلى أشلاء، ولم يبق حتى على أثر ثيابه”.. هكذا روت نظيرة على كراشي مصيبتها.
فقد فقدت فلذة كبدها أمام ناظريها ولم تستطع منع حدوث ذلك، إذ تلاعبت الألغام الحوثية بجسد ولدها الغض على مرأى منها لكنها وقفت عاجزة عن إنقاذه. تتابع الواقعة وهي مصدومة. انفجار اللغم اجتث طفولة عمار وسرق حياته لكنه سرق معها ابتسامة أم ومزق نياط قلبها.
قتل عمار ووري جثمانه الطاهر الثرى فماتت معه إنسانية أفراد الميليشيات الحوثية الذين تخلو عن أي إحساس تجاه أبناء بلدهم. لقد تحولوا إلى مسوخ تحركهم رغبتهم الجامحة في السلطة والحكم.
ألغام الحوثي تركت عمار جثة هامدة ممزقة تأبى الكائنات التي تطلق عليها تسمية “الحيوانات” أن تفعل ما فعلته هذه الجماعة. إذ حولت اليمن إلى معتقل واسع يئن سكانه من التوحش والإجرام الحوثي.
لقد استطاع المتمردون خلال الفترة المنقضية أن يتجاوزوا كل تخيلات الإرهابيين بزراعتهم لأكثر من مليون و500 ألف لغم. واجتهدوا في تشكيلها متعمدين القتل والإيذاء الجسدي. هذا ولم نذكر الألغام البحرية التي باتت تمثل خطراً على الملاحة البحرية وعلى الصيادين.
أصبحت الألغام تشكل خطورة حقيقية على اليمنيين عموما، خاصة وأن الحوثيين زرعوا ومازالوا يزرعون الألغام بطريقة عشوائية ودون خرائط التي من شأنه أن يساهم وجودها في وقف نزيف دماء أبناء اليمن. لكن هؤلاء الانقلابيين بقدر ما أثاروا دهشتنا بتفننهم في سياسات القتل بكل طرقه وأنواعه فإنهم أيضا يتعمدون أن يستمر مسلسل القتل هذا إلى أبعد مدى ممكن غير مباليين بالقوانين الدولية ولا بالمحرمات الواردة في الأديان السماوية ولا بالقيم الأخلاقية والإنسانية.
هذا جانب من قائمة مطولة تعج بالجرائم الحوثية التي أنهكت اليمن أخضره ويابسه، وباتت تهدد مستقبله إلى حد بعيد.
فالمدنيون يدفعون فاتورة باهظة جراء زراعة الحوثيين للألغام في المناطق المدنية. وهو ما أكده مبخوت عذبان، وهو عضو فريق منظمة الجوف للحريات وحقوق الإنسان، بقوله إن حوادث الألغام تتكرر بصفة مستمرة، وضحاياها يتحولون إلى مجرد أرقام إلى جانب معاناة من يصابون بإعاقة دائمة.
أنياب الموت مغروزة في أرض اليمن ولا تنوي إفلاتها إلا بعد أن تجهز عليها. لكن عاملي مشروع مسام، ورغم المخاطر والصعوبات، استطاعوا أن ينزعوا ما يزيد عن 200000 لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، وهو عدد مهول كان ببقائه سيقضي على آلاف الأبرياء.
فرق مسام تبذل جهودا جبارة لإزالة هذه الأجسام المنفجرة من دروب اليمنيين الذين ضاقوا ذرعا من وجودها. فإضافة إلى قتلها لعدد منهم وإحالة المئات إلى قائمات المعاقين فإنها تسببت في أزمة اقتصادية خانقة عادت بالوبال عليهم.
لقد تمكن الفريق 29 مسام خلال أسبوعين فقط منذ نزوله إلى منطقة العمري من نزع 71 لغما مضادا للدبابات من مساحة قدرها 500 مترا مربعا.
هذه المساحة المطهرة مهمة للمواطنين حيث تعد المدخل الرئيسي للمنطقة ومنها تمر الطريق الرئيسي التي يسلكها طلاب المدارس والمزارعين إلى أراضيهم وإلى آبار المياه.
إن الحوثيين يريدون العودة باليمن إلى عصور ما قبل التاريخ ومع هذا مازالت هذه الميليشيات مصرة على تسمية ما تقوم به “ثورة”.