الأخبار
رقعة الخوف تكبر والأمن يتوارى ويتبدد داخل ظلام لا تبرز منه غير أفواه البنادق والصواريخ ولمعان انفجارات الألغام والعبوات الناسفة.. اليمن البلد العظيم بماضيه والغني بتاريخه يعيش اليوم واقعا مريرا خطته ميليشيات إجرامية لم تسلك سوى طريق المقابر.
حلم تأسيس دولة مدنية بدأ كبيرا ثم صار يتضاءل شيئا فشيئا حتى تلاشى واندثر، وذلك بسبب الحوثي الذي استغل الظرفية التاريخية والأوضاع الحاصلة لينقض على البلاد في محاولة للوصول إلى سدة الحكم بمساعدة حليفته التي لم تدخر جهدا لإمداده بشتى أنواع وسائل القتل لا لشيء إلا لإخضاع المنطقة لحكمهم الطائفي المقيت المشبع بأفكار بغيضة لا يقبلها الفكر البشري السوي.
لقد كان اليمن حتى عام 2014 قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من آخر مرحلة نزع الألغام في مناطق منخفضة التأثير، وهي مناطق بعيدة عن السكان ونائية، وإعلان اليمن رسميا منطقة خالية من الألغام.
لكن ما حدث بعد ذلك “كارثة إنسانية”، حيث اجتاحت جماعة الحوثي صنعاء وسيطرت عقبها على معظم محافظات الشمال اليمني وزحفت نحو المحافظات الجنوبية من البلاد مخلفة مع كل خطوة تتقدمها لغما يترصد أبناء جلدتهم، إذ زرعت علب الموت بكثافة عالية جدا في جميع المناطق التي وصلت إليها حتى جعلت العديد منها يندرج ضمن التصنيف مناطق عالية التأثير بعد أن نثرت ألغامها في المناطق السكنية والمدارس والطرقات والمزارع.
كما غيرت هذه الميليشيات من الخصائص الفنية للألغام بحيث صيرت الألغام المخصصة للدروع ألغاما فردية، وهو ما وصفه مشرف فرق مسام بمحافظة تعز المهندس عارف القحطاني ب”القتل الجماعي للمدنيين”.
هذا إلى جانب إقدام هذه الجماعة على إغداق البحر بآلاف الألغام بطريقة عشوائية في تهديد واضح وصريح لحركة الملاحة الدولية وللصيادين اليمنيين الذين أحيل عدد منهم إلى البطالة الإجبارية عدا عن إلحاق المئات منهم إلى قائمة المعاقين وإزهاق أرواح آخرين.
ورغم الخسائر والدمار الذي لحق باليمن بشرا وحجرا، ما تزال الميليشيات ماضية في نهجها التخريبي بكل ثبات، حيث يواصل أفرادها زرع الألغام بأعداد هامة لتفرض واقعا مخيفا على ملايين اليمنيين.
هذا الواقع قوبل بالرفض من قبل عاملي مشروع مسام الذين يؤمنون إيمانا تاما بحق الإنسان في حياة آمنة، الأمر الذي جعلهم يتمسكون بهذه الرسالة الإنسانية السامية رغم سقوط ضحايا في صفوفهم بين قتيل وجريح. لكن ذلك ما زادهم إلا ثقة وتمسكا بهذا الحق الذي نصت عليه الشرائع السماوية وسلبته جماعة إنقلابية تسعى لفرض وجودها بقوة السلاح.
فعملية نزع الألغام هي شبيهة بلعبة مع الموت الذي يبتسم في وجه عاملي مسام بكل خبث مع كل خطوة لأقدامهم الساعية لتطهير اليمن من السموم المنتشرة على أرضه.
هذه الفرق تمكنت خلال الفترة الممتدة من 29 أغسطس الماضي ولغاية 11 سبتمبر الجاري من إزالة 2853 لغما وذخيرة غير منفجرة مما جعل إجمالي ما تم نزعه منذ انطلاق المشروع ولغاية يوم 11 سبتمبر يرتفع إلى 185081 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة.
إن اليمن يجثو فوق أكبر حقل ألغام في العالم ولن يتم اكتشاف حقيقة هذه الكارثة إلا بعد زوال أسبابها حينها ستظهر آثارها للعلن وسينكشف معها مدى بشاعة جماعة الحوثي التي آثرت مصلحتها الشخصية على مصلحة بلد وشعب.