الأخبار
عاش الحاج عبدالله صالح الحديبي وأبناء قرية الريبي، في مديرية قعطبة بمحافظة الضالع، حياة مأساوية مملوءة بالخوف والهلع والحزن، ولا مكان فيها للاطمئنان، فالألغام لم تتوقف عن زف أخبار القتلى والمصابين إلى القرية، ليعيشوا الجحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حالهم كحال جميع المناطق والقرى في اليمن التي تعاني من وطأة وإرهاب الألغام والعبوات الناسفة.
فالألغام أودت بحياة الكثير من أبناء القرية، وشردت الكثير أيضا، وحرمت عشرات الأسر من حقولهم الزراعية، التي تشكل الرافد الأساسي لحياتهم الأسرية ويعتمدون على محصولها في توفير متطلبات الحياة اليومية من مأكل ومشرب وملبس.
وهنا يقول الحاج عبدالله الحديبي، وهو أحد مالكي المزارع في القرية، قاصا ما حدث مع ابن أخيه وهو في طريقة إلى المزرعة “ذهب باتجاه المزرعة مجازفا بحياته، ومتحديا الألغام في سبيل توفير لقمة العيش لأسرته، حاولت جاهدا منعه من الذهاب إلى المزرعة لشعوري بحدوث شيئا ما، فالألغام ما زالت تحيط بالقرية من جميع الاتجاهات ، ورائحة الموت لا تزال في الأرجاء جراء الحوادث السابقة، فتحركنا فقط يكون في الممرات تم تأمينها بعد انتهاء الحرب، لكن دون جدوى من ذلك، إذا هم باكرا باتجاه المزرعة وهو يعلم بأنها محفوفة بالألغام علما أنه في حال ذهب فإن أمل عودته ضئيل جدا”.
ثم واصل مفصلا “بينما هو متوجا إلى المزرعة على متن دراجتة النارية، سمعت صوت انفجار قد أتى من اتجاه المزرعة، حينها قلت هذا ابن أخي قد سقط في مصيدة الموت، وهو متجها الى المزرعة، هرعنا مسرعين إلى موقع الانفجار، توقعت بأن لا أجد منه شيئا، لنجده قد قذف به اللغم هو ودراجته النارية التي كان يمتطيها إلى محاذاة المزرعة، والدم يغطي كل زاوية من جسمه، لكن بلطف من الله لم ينه اللغم حياته، ولكن أخذ منه كلتا رجليه ويده اليمن، وهو اليوم طريح الفراش.
فالحوادث السابقة في هذه القرية راح ضحيتها 5 من أبنائها، فقد كان الانفجار عنيفا، ولم نجد من الضحايا إلا بعض القطع متبعثره في مكان والحادث.
والضريبة الجسدية ليست الفاجعة الوحيدة لأبناء قرية الريبي، بل إن الضائقة الاقتصادية الخانقة تؤرق أهل هذه المنطقة أيضا، فجل أبناء القرية يعتمدون في دخلهم الأساسي على المحاصيل التي تجود بها مزارعهم، لكن بعد أن تم تلغيمها بالكامل، لم يتمكن المزارعين من الذهاب إلى مزارعهم مما أدى الى جفافها وتصلب تربتها، بعد أن كانت تربتها خصبة وتنتج الكثير من الخيرات وتفيض بعطاياها على أبناء القرية.
واليوم يعيش أبناء قرية الريبي مهددين، فحياتهم محفوفة بالمخاطر ولا يستطيعون الدخول إلى المزارع، فكل خطوة يخطونها إلى المزرعة ستكون حياتهم ثمنا لها، وفي حال مكثوا في بيوتهم، فلن يستطيعوا توفير لقمة عيش لأطفالهم، لذا فقد تركوا أمام خيارين، كلاهما مر.
مسام بارقة الأمل
وما إن حلت فرق مشروع مسام لنزع الألغام في اليمن في هذه المنطقة، شاعت بارقة أمل في أفق أبناء قرية الريبي لبداية حياة جديدة، إذ قامت الفرق بفتح وتأمين طرقات وممرات في القرية، ونزعت الآلاف من الألغام الفردية والمضادة الدبابات والعبوات الناسفة والقذائف المتفجرة، وقامت بتطهير العديد من مزارع المواطنين، التي ظل الدخول إليها حلما يراود كل مزارع في قرية الريبي، أين حل الفرج وزالت غمة الألغام منها.
وقد تكللت جهود فرق مسام الحثيثة في القرية بإعادة المواطنين إلى حقولهم، ليقوموا بحرثها وإعادتها للحياة مرة أخرى، بعد أن وقفوا عن العمل بها لفترة طويلة، واستعادت دورها في حياتهم معينة إياهم في معيشهم اليومي مخففة من وطأة المعاناة التي يعيشونها خصوصا في ضل الكساد في البلاد بسبب جائحة الألغام.
وحرصا منهم على ضمان استمرارية فرق مسام بالعمل بالقرية وتطهير ما تبقى من مزارع المواطنين، ناشد الحاج عبدالله إدارة مشروع مسام باستمرار فرق مشروع مسام في عملها الميداني إلى أن تنزع آخر لغم في محافظة الضالع، بحيث يتمكن السكان وأطفالهم من التحرك بكل أمان وأريحية، ويعاودوا الذهاب إلى المزارع ومراعي الأغنام بأمان ودون خوف من أن تنفجر الألغام بهم ومن حولهم، كما حدث مع من قبلهم، شاكرين لهم جهودهم المبذولة، ومتمنين لهم دوام التوفيق والنجاح في مهاهم الإنسانية في ربوع اليمن المكلوم بالألغام.