مرارات وعذابات أهل اليمن مع الألغام دوائر من الأحزان والمآسي التي تضيق وتتسع وتبتلع السعادة من حياتهم، فعلب الموت في اليمن رمت بشرورها على الناس الأبرياء وسلبتهم هناء العيش وبرده، ورمت بهم في دوامات من الآلام التي لا تعرف الفتور وجراح لا يمكن نسيانها أبدا.
وصنيع الألم البشع باليمنيين نال من الأطفال والنساء والشباب والكهول وكبار السن ولم يترك شاردة ولا واردة إلا طبعها بختمه الدموي المهلك. فالطفل عبده المرزوقي ذو الأربعة عشر ربيعا يختصر هذه العذابات مع الالغام بقوله “لقد أخذت منى الألغام أغلى ما أملك، أمي وأبي وأحي وأختي في حوادث متفرقة وبقيت وحدي أواجه الحياة بقسوتها ومراراتها وأعيل خمس أطفال صغار وهم إخوتي الصغار.
وأما ناجي ناصر صعنون، هو واحد من هؤلاء الأطفال الذي لم يتجاوز عمره 14 ربيعا، والذي يتحدث عن مأساته بعبارات ومعجم غريب عن عالم الطفولة فيه تعلق بالوطن وتحامل على الظلام وتعلق بالحياة وأمل في غد أفضل، وأما حلمه فهو متعلق بإكمال الدراسة والتحول مستقبلا إلى مدرس يوعي الناشئة بعدم الانسياق وراء مغالطات الحوثيين وعدم التورط في تدمير وطنه اليمن بزراعة الألغام وإهلاك الحرث والنسل.
بهذا التصور يروي ناجي مأساته مع الألغام التي فقد فيها قدمه وابن عمه، وهو صديقه ورفيق دربه في الرعي، في حقول الطفولة التي سرقتها الألغام الحوثية على حين غرة.
وغير بعيد عن مأساة هؤلاء، يظهر مقطع الفيديو المصور من أحد المواطنين في مديرية الزاهر بمحافظة البيضاء وسط اليمن، كيف يتنقل أهالي المنطقة وأطفالهم بين الألغام التي زرعتها ميليشيا الانقلاب، حظي بمتابعة هامة وتفاعل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأما بطلة هذا الفيديو، طفلة برفقة إخوتها الصغار تسير في طريق ملغوم بمديرية الزاهر، وتحذر إخوتها أن يتجاوزوا أحد الألغام المزروعة التي صادفتهم في وسط الطريق.
وتمتد جرائم الألغام لتشمل النساء أيضا في اليمن، حيث أصيبت مواطنة من أهالي مدينة الحديدة، حامل في شهرها السابع، بانفجار لغم من مخلفات الميليشيات في الأحياء الشرقية للمدينة غربي اليمن. حيث أفادت مصادر محلية وطبية بأن لغما فرديا من مخلفات الميليشيات انفجر بالمواطنة حمدة محمد عبدالله جلاجل، من قرية المسنا بمديرية الحالي، مما أسفر عن بتر قدميها.
ومنطقة الحقب جنوبي مديرية دمت شمال محافظة الضالع، أفاد السكان إن اللغم أدَّى إلى إصابة سائق الجرار بجراحٍ مختلفة، وتم نقله إلى أحد المشافي لتلقي العلاج، مشيرين إلى أن اللغم انفجر في الجرَّار الزراعي ما أدَّى إلى إحداث أضرار بالغة في مقدمته.
ويحكي حسني عبدالله أيضا قصته مع الألغام، قائلا “لما أحسست أني وعائلتي في خطر من الألغام المنتشرة بعشوائية، حاولت أن أتنقل معهم إلى أماكن متفرقة بحثا عن شيء من الأمان، لكني وجدت في طريق البحث عن الأمان لغما غادرا نال مني وأصابني في مواقع متفرقة من جسدي ومازالت بعض شظاياه في جسمي لم يتم إزالتها بعد، فالحمد الله على كل حال”.
ثم يواصل متحدثا “الحمد الله على كل حال، هذه الألغام الغادرة لم تكسر عزيمتنا وإصرارنا على البقاء والحياة، ففي اليمن ما يستحق الحياة والصبر والصمود، فمهما فعلت هذه الألغام من أفعال بشعة فمصيرها الزاول إن شاء الله، فوعي المواطن اليمني يزداد يوما بعد آخر بفضل الحملات التوعوية لمشروع مسام الإنساني وبفضل جهود فرق هذا المشروع النبيل الذي لا يتأخر أبدا على المواطن اليمني ويبذل كل جهده في إزالة الألغام، وبفضل تضحيات فرقه الباسلة عادت أسر كثيرة لقراها ومزارعها وتمكنت مجددا من الاستفادة من آبار المياه ومن الرعي بأمان ومن معاودة مزاولة الصيد دون خوف، ومثل هذه الجهود هي أمل اليمن في الخلاص من مصيبة الألغام”.
ورغم الألم يبقى الأمل والصبر والعزم سلاح أهل اليمن ضد علب الموت الغادرة، وهو ما عبر عنه حازم هادي الربوعي، الذي كان يعلم أنه يضحي من أجل وطنه وأن هذه التضحية قد يكون ثمنها حياته، لكنه لم يكن مترددا لحظة، فقوته كان ومازال يستمدها من إيمانه بعدالة قضية وطنه، وحق أهله وذويه وأبناء جلدته في العيش الكريم، فقدم مثالا يحتذى به للمواطن اليمني الشريف وبذل كلما ما بوسعه حتى أتت اللحظة الحاسمة التي نال منه فيها لغم غادر، فأقعده عن النضال، لكنه لم يطفئ في قلبه جذوة الإصرار على نصرة وطنه ولم يزحزحه عن قناعته الراسخة بأن اليمن لأبنائه الأبرار وأن الألغام سلاح المهزومين والخائفين، وأن قناعتهم بأنهم هالكون يجعلوهم يحتمون بغطاء الألغام الغادر والزائل بإذن الله على حد قوله على يد فرق مسام الإنسانية التي تصل الليل بالنهار من أجل تخليص اليمن من جائحة الألغام.