الأخبار


الهموم والمآسي تأكل سنوات العمر وتسري فيها كالنار في الهشيم، فيشيب شباب في ربيع العمر وربما يهرم قلب طفلي فتي وهو في أروع سنوات الصبا وأحلاها في الحياة. وصنيع الألغام في اليمن تلاعب بطفولة اليمن وهشم وجه أحلامها وأجهز عليها قبل أوانها.
فحينما تتحدث إلى الأطفال الناجين من براثيم الألغام، تجد نوعين من هؤلاء، بعض الذين عقدت ألسنتهم الصدمة وخانتهم العبارات وسكنتهم العبرات والحسرة، وآخرون حولتهم مأساتهم مع الألغام إلى عمر متقدم أكبر بكثير من عمرهم الحقيقي، فيحدثونك عما ألم بهم بعبارات ووصف ووعي يجعلك تنسى أن من تجالسه طفل ومن يحكي عن مأساته، وأنه لم يخبر من الحياة إلا هذا الوجه القاتم الذي رسمته لهم الألغام.
وناجي ناصر صعنون، هو واحد من هؤلاء الأطفال الذي لم يتجاوز عمره 14 ربيعا، والذي يتحدث عن مأساته بعبارات ومعجم غريب عن عالم الطفولة فيه تعلق بالوطن وتحامل على الظلام وتعلق بالحياة وأمل في غد أفضل، وأما حلمه فهو متعلق بإكمال الدراسة والتحول مستقبلا إلى مدرس يوعي الناشئة بعدم الانسياق وراء مغالطات الحوثيين وعدم التورط في تدمير وطنه اليمن بزراعة الألغام وإهلاك الحرث والنسل.
بهذا التصور يروي ناجي مأساته مع الألغام التي فقد فيها قدمه وابن عمه، وهو صديقه ورفيق دربه في الرعي، وفي مراتع الطفولة التي سرقتها الألغام الحوثية على حين غرة.
فناجي وابن عمه تشاركا في طفولتهما كما تشاركا عملية رعي الأغنام، ولم يفرقهما سوى ألغام الحوثيين الذين زرعوها في تلك المنطقة قبل دحرهم منها، وتلك واحدة من المآسي التي خلفوها للسكان وفي مقدمتهم الأطفال الذين يحرمون من حقهم في العيش بأمان وسلام.
وهنا يتحدث ناجي طعنون لـ “لمكتب مسام الإعلامي”، بلسان حال مئات الأطفال، الذين قضوا أو بترت أعضاؤهم بألغام الحوثيين، حيث تدمي كلماته القلب وهو يشرح تفاصيل قصته، متكئاً على طرف اصطناعي، خفف من معاناته لكنه لم يبعد عنه مرارة الألم الذي عاشه، وهو يدرك أنه سيقضي ما تبقى من عمره أسير هذا الطرف الاصطناعي، حيث يقول ناجي وهو ينظر إلى قدمه الصناعية “جاء الحوثيون وزرعوا الألغام التي أخذت قدمي، حرموني متعة الخروج كما كنت قبل الحادثة”.
ورغم آلامه يتحدث ناجي عن مأسي كثير من أولئك الذين قال إن الحوثي دمر حياتهم وحرمهم طفولتهم، ويصب جام غضبه عليه قائلا “لم يبق الحوثي مكانا إلا وزرع فيه الألغام، طرقنا، مدارسنا، ملاعبنا”.
من ثمة يتابع ناجي سرد حكايته والحسرة تكسوا وجهه “هناك أطفال ونساء بترت أقدامهم وبعضهم بترت أياديهم بالألغام، واستشهد عبدالله الذي كنا معا نرعى الأغنام في ذات الحادثة.. لقد اختطفت الألغام منا أقداما وأذرعا وأصدقاء، وأخذت مليشيا الحوثي أرواح آبائنا بحربها علينا، تركت الكثير بلا آباء ولا أقدام، وبهموم تقضم سنين العمر بنهم كبير”.