الأخبار

لم تفرق الألغام المبثوثة في اليمن كالفطر السام بين صغير وكبير، رجل وامرأة، كل هؤلاء بالنسبة إلى فخاخ الموت الشرهة للدم والمتعطشة مجرد ضحايا إما كقتلى أو مصابين.
محنة ومصاب جلل حل باليمن واليمنيين، فلم تكد الحرب تضع أوزارها، حتى ظهر طاعون الألغام ليصبغ يوميات أهل اليمن بالألم، الحسرة، الخوف، الرعب، الرهبة والنزوح.
كل بيت يمني يحمل قصة من قريب أو بعيد لفرد أو أفراد فقدوهم للأبد أو مؤقتا بعد أن باتوا من ذوي الإعاقة بسبب ألغام غادرة فتكت بهم.
فالأطراف الصناعية في اليمن باتت مشهدا مألوفا، ومنظر المكابدين في البحث على خطى متوازنة في مشيهم والمتأخرين عن ركب المشاة لثقل خطاهم بسبب الأطراف الصناعية، والذين تقشعر الأبدان لرؤيتهم دون أطراف وبإصابات بالغة ومؤثرة.. مشاهد فسيفسائية لمشهد درامي يمني تلعب فيها الألغام دور الشيطان الأكبر.
واقع مرير يطول وصفه، لكنه في الحقيقة هو ظاهر المشهد فقط وليس كنهه، وهو صورة لما تنقله أعيننا وتستشعره حواسنا بمجرد رؤية هؤلاء المبتلين في وطنهم وأنفسهم، لكن التعاطي معهم وسماعهم والاقتراب منهم والتنقل بين قصصهم والإصغاء لهم بتمعن يكشف أننا لا نعرف العبر الحقيقية التي يريد إيصالها هؤلاء اليمنيين ممن واجهوا الألغام ووقعوا في مصيدتها للعالم.
عمق هؤلاء اليمنيين حقل خصيب يقول الكثير والكثير، فأولا الصبر الجميل والاحتساب لوجه الله سمات طاغية لدى هؤلاء، إضافة إلى سكينة داخلية وسعادة تطرد الألم في قرارات أنفسهم مردها أنهم لم يُسلموا في أرضهم، مزارعهم، قراهم، وبلدهم المغتصب الذي أريد له أن يتحول إلى حقل ألغام كبير، وكذلك أمل أكبر يسكن أحداقهم ويرقبونه بشوق في آفاقهم بعد هبة الدعم التي عاينوها على الأرض على يد الفرق الهندسية المختصة لتطهير واقعهم من الألغام.. وهذه المعاني هي جوهر القوة في دراما القصص اليمنية بسبب الفخاخ التي لا يجب أن نقف عند حدود الشفقة والتباكي عليها وإنما يجب أن ننهل من قيم أهلها الذين كانوا ومازالوا مدرسة حقيقية في الصمود والأمل.