في كل مناطق الحرب المليئة بالألغام في اليمن، حيث يواجه المدنيون تهديدات يومية تستهدف حياتهم، يقف المسعفون المرافقون للفرق الهندسية في مشروع “مسام” كحراس لحياة، وسنداً للذين يكافحون لتطهير الأراضي من تلك الألغام القاتلة، وذلك من خلال استعدادهم الدائم، وتدريبهم المستمر، ودورهم الحاسم في إنقاذ الأرواح، مخاطرين بحياتهم لضمان سلامة الجميع.
لم يكن دور المسعفين مجرد رقم على قائمة طواقم الفرق الهندسية، بل هم جزءٌ لا يتجزأ من تشكيل كل فريق هندسي منذ البداية. وهو ما أكده ناجي صالح الصادر، مسعف الفريق الرابع “مسام”، خلال لقاء مع المكتب الإعلامي للمشروع، بقوله: “إن وجود الكوادر الطبية المدربة بجانب الفرق الهندسية ليس رفاهية، بل ضرورة لضمان سلامة الجميع أثناء العمل”.
كما أكد الصادر، الذي انضم إلى مشروع “مسام” منذ انطلاق عمله في اليمن، على سعيه الدائم لضمان أن جميع أعضاء الفريق في أفضل حال بدنياً ونفسياً، قبل وأثناء وبعد العمل. منوهاً بقوله: “لا يُسمح لأي مهندس ألغام بالعمل في الميدان إذا كان يعاني من أي مشكلة صحية قد تؤثر على تركيزه، لأن سلامة الفريق هي الأهم”.
ويضيف الصادر بأن مهمة المسعف تبدأ منذ اللحظة الأولى التي يخطو فيها الفريق الهندسي إلى الميدان، مضيفاً أنه تم تجهيز المسعفين بكل ما يحتاجونه من أدوات إسعاف أولي، بداية من الأجهزة الطبية وصولاً إلى الأدوية الضرورية للتعامل مع أي حالة طارئة، حيث نوه المسعف ناجي الصادر: “كل دقيقة في الميدان قد تعني فرقاً بين الحياة والموت، لذا فإننا نتعامل مع كل حادث بجدية بالغة”.
وعن الصعوبات والمخاطر التي يعيشها مسعفو مسام، يقول الصادر إنه خلال فترة عمله مسعفاً للفريق الأول في “مسام”، تعرض فريق المسح لانفجار لغم في منطقة الريان بمحافظة الجوف. وكان من بين المصابين مسعف الفريق، حيث تعرضت قدمه لإصابة بالغة، حيث فصل قائلاً: “كانت المعدات الطبية قد دُمرت بسبب الانفجار، وكنا حينها نعمل في منطقة قريبة منهم، وفور تلقينا البلاغ، تحركنا لإنقاذ الفريق واستخدمنا الأدوات المتاحة لتقديم الإسعافات الأولي، وتمكنا من الحفاظ على استقرار حالة المصاب حتى وصوله إلى المستشفى”.
الهاجس الإنساني
لا يقتصر دور الكوادر الطبية في “مسام” على تقديم الرعاية لأفراد الفرق الهندسية فقط، بل يمتد ليشمل المدنيين الذين تأثرت حياتهم بالألغام، حيث يقول مسعف الفريق الرابع في “مسام”، ناجي الصادر: “خلال فترة عمل فريقي في إحدى مناطق محافظة الجوف، كان بالقرب من موقع العمل، مخيم للنازحين، وخلال تلك الفترة قدمنا العناية الطبية اللازمة للعديد من المرضى في ذلك المخيم، وهذا ليس مجرد واجب مهني، بل رسالة إنسانية تحملها فرق “مسام” تجاه جميع اليمنيين”.
كفاءة وطموح
ويعتبر وجود مسعفين مؤهلين وذوي كفاءة عالية كان هدفاً رئيسياً سعى مشروع “مسام” لتحقيقه منذ البداية، حيث يُعد ذلك من أبرز معايير السلامة الدولية المعتمدة في مهام نزع الألغام.
وقد عمل المشروع على توفير كوادر طبية مدربة وقادرة على التعامل مع أصعب الحالات الطارئة في الميدان.
كما يولي مشروع “مسام” اهتماماً كبيراً بتأهيل وتدريب الكوادر الطبية المرافقة للفرق الهندسية لضمان جاهزيتهم الكاملة للتعامل مع أي طارئ.
ويشمل هذا التأهيل دورات متخصصة في الإسعاف الأولي، والتعامل مع الإصابات البليغة، وطرق النقل السليم للمصابين.
كما يُزوِّد المشروع المسعفين بسيارات إسعاف مجهزة بالكامل، إلى جانب حقائب طبية متنقلة تحتوي على كافة المستلزمات والأدوية الضرورية.
ويهدف هذا الدعم إلى تمكين المسعفين من تقديم رعاية صحية فورية وفعالة في بيئة مليئة بالتحديات، انطلاقاً من إيمان المشروع بالدور الحيوي للمسعفين في الحفاظ على سلامة الفرق الهندسية في الميدان.
وفي هذا الإطار يقول الصادر: “نحن نعمل في بيئة مليئة بالتحديات، مما يستوجب منا التعلم المستمر، فكل تدريب نتلقاه يعزز قدرتنا على التدخل بسرعة وفعالية في حالات الطوارئ، ويزيد من كفاءتنا في أداء مهامنا”.
ورغم المخاطر اليومية، يرى مسعفو “مسام” في عملهم رسالة أمل وسط الظلام، ويقول الصادر: “وجودنا ليس فقط لإنقاذ الأرواح، بل لطمأنة الفرق الهندسية أن لديهم داعماً موثوقاً في الميدان، يواجه معهم كل التحديات”.
جو مهني مفعم بنداء الإنسانية، يجعل المسعفين التابعين لمشروع مسام يتابعون مهمتهم اليومية، كأبطال مجهولين يقفون خلف الفرق الهندسية، يواجهون أخطاراً مميتة في سبيل تأمين وسلامة حياة الآخرين، فهذا هو مشروع مسام، كوكبة من رجال لبوا نداء الإنسانية بسخاء، وضربوا مثلا يحتذى به في العطاء اللامحدود.