الأخبار
في وقت تسيل فيه سواق من دماء أبرياء يترصدهم الموت من كل حدب وصوب في اليمن بسبب الألغام، وتستنزف فيه أحبار كثيرة لكتابة تقارير حول أوضاع هؤلاء الأبرياء في بلد محروث بالألغام، وتتعالى فيه نداءات الاستغاثة من أهل العزم المرابطين في الأرض لنجدة الناس من مهالك فخاخ الموت تلك، يبادل العالم احتراق اليمن بنظرة برود ولا مبالاة مديرا ظهره لمأساة تدمي القلوب.
صور المصابين الموجعة للقلوب وقصص مآسيهم التي تسيل لها العبرات وواقعهم المحفوف بالخوف، المحكوم بالموت، والأطراف الاصطناعية، ينطق عن حجم البلاء ومقدار الدراما التي لبسها اليمن رداء قاتما خانقا بسبب عمليات الزرع الهستيرية العشوائية للألغام في كل ربوع اليمن.. الصور توثق المهالك والقصص تحكي تفاصيل الحوادث والحناجر تلهج بطلب العون والسند في محنة عظيمة تهدد شعبا بأكمله.
وفي هذا السياق ثابر مشروع مسام لنزع الألغام، ومازال في الميدان، وهو ينازل فخاخ الموت التي زرعت بطرق تمويهية شيطانية واستعمل ولازال كل أوراقه في جميع الاتجاهات للوصول باليمن لبر الأمان الذي مفاده “يمن بلا ألغام”، فاجتهد على الأرض وضحى في سبيل هذا العمل الإنساني النبيل بكل ما يملك، فقد وضع خبرته وجهده في سبيل نصرة هذه القضية الإنسانية وفقد فداءا لهذا الرهان عناصر من خيرة أبطاله الأبرار، لكنه لم ولن يتراجع لأنه على إيمان راسخ بأن اليمن في حاجة ماسة لوقفة حازمة على غرار هذا المشروع الشجاع والقيم.
كما لم يهمل مسام توعية الناس بمخاطر الألغام وأنواعها لنشر ثقافة تحاشي فخاخ الموت وحتى الوقوع فرسية لها، في إطار حملات توعوية هدفها الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
ولم يدخر مسام جهدا في مناشدة العالم للانضمام لركبها الإنساني، فأعداد الضحايا في اليمن يحتم على العالم الهبة لإنقاذ شعب من مهالك تحدق به باستمرار، فقد تحدث تقرير لتحالف رصد عن إصابة 1034 آخرين موزعين على 17 محافظة يمنية بينهم 183 طفلا و56 امرأة بسبب الألغام والعبوات الناسفة خلال الفترة من 21 سبتمبر 2014 وحتى 30 يونيو 2018.
وتصدرت تعز قائمة المحافظات اليمنية الأكثر تضررا من تلك الألغام والعبوات الناسفة المحظورة دوليا وذلك بواقع 289 قتيلا و417 جريحا تلتها محافظة لحج بعدد 117 قتيل 85 جريحا، ثم محافظة مأرب بـ84 قتيلًا و136 جريحا، ومحافظة عدن بعدد 112 قتيلًا و61 جريحا، البيضاء 49 قتيلًا و70 جريحا، الجوف 47 قتيلا و58 جريحا، الضالع 46 قتيلًا و36 جريحا، شبوة 16 قتيلا و51 جريحا، وأبين 36 قتيلًا و26 جريحا، الحديدة 32 قتيلًا و16 جريحا تتبعها صنعاء بواقع 14 قتيلًا و36 جريحا تليها حجة بعدد 21 قتيلًا و7 جرحى ثم صعدة 8 قتلى و18 جريحا، أما إب فـ16 قتيلًا و5 جرحى ثم حضرموت 9 قتلى و3 جرحى ثم عمران 3 قتلى و5 جرحى ثم الأمانة بقتل واحد و4 جرحى ثم محافظتي المحويت وذمار بثلاثة قتلى في كل محافظة.
ليبقى نداء السيد أسامة القصيبي مدير عام مشروع مسام الذي أطلقه مؤخرا للعالم قاطبا والذي مفاده “المملكة هنا.. أين أنتم؟”، صوت مدو في وجدان الإنسانية ورسالة موجزة ومؤثرة نتمنى أن يصغى لها العالم بضمائر حية، و أن تأتي أكلها وأن يتوقف العالم على اغماض عينه وإدارة ظهره لمأساة إنسانية حقيقية بالإمكان طي صفحتها بهبة جماعية توقف نزف المدنيين وتحرر اليمن من قيود الألغام التي تمثل إرهابا مدفونا تحت الثرى وفي أرحام الصخور.. فهل من مجيب؟.