كنا نتمنى أن لا نرى الشر والسوء يحيط بأبناء جلدتنا على رقعة الوطن العربي الممتد شرقا وغربا ولا نتمناه للإنسانية قاطبة، فالسجية السليمة والفطرة الحسنة تملي علينا هذا الإحساس الخير، لكن الخروج عن هذه الفطرة يضع حدا قاطعا بين الأخيار والأشرار على وجه الأرض.
وفي اليمن أرادت بعض القلوب القاسية أن تصنع لها مجدا من جماجم الأطفال والأبرياء دون رحمة ولا شفقة، وجعلت في هذا البلد الشقيق من الألغام سلاحها الفتاك لتحقيق نصرها الزائف وأمجادها الواهية.
ففي اليمن، نصبت الميليشيات للرحمة مشنقة على فوهات بنادقها ومدافعها وأسلحتها المدمرة وكلفت الألغام بمهمة الإبادة الجماعية للأخضر واليابس، للبشر والحجر، ورمت بالإنسانية خلفها، بل لم يبق للإنسانية في قلوب أفرادها مقدار حبة خردل، فلا شيء يحتل أجنداتها وألوياتها سوى نشر الموت وإراقة الدماء ونشر الألغام كالفطر السام في أرض اليمن.
وهنا تلاعبت الألغام بمصائر الأبرياء وتعالت أعداد الضحايا وأهزقت الأرواح بدم بارد بفخاخ الموت المتفجر ودمر كل شيء وعم الحزن، حيث بات اليمن يئن على جميع المستويات الاقتصادية منها والاجتماعية والأمن النفسي والجسدي للمواطنين.
فقد دكت أدوات الإرهاب المدفون تحت الأرض مكتسبات اليمنيين، فباتت المباني والمنازل والمدارس أهدافا محتملة للألغام ولعبوات الغدر التي لم يسلم من بطشها حتى المواقع الأثرية، فلا الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل يعني لهذا السلاح الدموي شيئا، كيف لا و وديدنه الوحيد إشاعة الموت والدمار.
وفي مستنقع الألغام يتخبط اليمنيون منذ ما يربو عن ست سنوات على غير هدى، تتقاذفهم ألغام تارة نحو الموت وأخرى نحو العجز وسد الآفاق، ويتغول العنف وتكبر رقعة الآلام التي كرستها علب الموت المتفجر وتكتيكات تمويها.
تكلفة باهظة يتكبدها ومازال سيتكبدها اليمن في معالجة هذه الكارثة وإزالتها، لكن المملكة العربية السعودية أبت إلا أن تكون اليد التي تشد أزر أهالي هذا البلد وتقودهم إلى بر الأمان عبر مشروعها الإنساني “مسام” الذي يعنى بإزالة الألغام وإتلافها عبر ماراثون إنساني قدمت مازالت تقدم فيها أسرة هذا المشروع نموذجا يحتذى به في التضحية والجدارة.
فمسام مشروع حياة وأمل بالنسبة لليمنيين واستمراره هو الرئة التي يتنفس من خلالها اليمنون حياة وأملا، فهو مشروع إنساني لنزع الموت من الأراضي اليمنية، وسط إحصائيات مرعبة متعلقة بأعداد الألغام التي جعلت اليمن يأتي على رأس قائمة دول العالم من حيث التلوث بفخاخ الموت المتفجر، فأي أمجاد ترقبها هذه الألغام التي اتخذت من الأرض غطاء ومن الدماء وعاء ومن القبور مقصدا ورجاء؟.