الأخبار
أنت تبدين أكثر حزنا مني لأنك لا تبكين… وصلت لقعر الحزن الذي يجعل الوجه جمادا والقلب ينزف دما… فقط قلبك هو من يبكي سرا بسبب طفولة ضاعت بين غياهب حرب لا تعترف بصغير أو كبير، وبسبب آمال وأحلام تلاشت وتبعثرت بين ركام المنازل وحطام مدن.
هذه حالة الشعب اليمني من أقصاه إلى أدناه، الموحد في همومه وتطلعاته وآماله وأحلامه بسبب صنيع الألغام البشع فيهم، فنكبة اليمن هذه الذكرى السوداوية في تاريخ هذا البلد والتي تسببت في جرح غائر تتجدد آلامه مع كل إشراقة شمس يوم جديد. لكنها ليست الأولى بل هي امتداد وثيق لتاريخ طويل من العذابات.
لكن يبقى الدرس الوحيد الذي استفاد منه الشعب اليمني من خلال جائحة الألغام هو إسقاط الأقنعة المزيفة لكل من يكيد لهذا البلد العزيز وفضح المكائد وكشف أوراق المؤامرات والخداع.
فالميلشيات جعلت اليمن البلد الأكثر سوء في العالم بسبب زراعة الألغام. هذه الجريمة تتحمل مسؤوليتها هذه الميليشيات بصورة كاملة ومباشرة، فلقد ألحق هؤلاء بكل اليمنيين أذى ماديا ونفسيا وجعلوهم معلقين بين الحياة والموت.
فقد أشارت التقديرات إلى أن الميليشيات زرعت في المناطق التي وصلت إليها أكثر من مليوني لغم مختلفة الأحجام والأشكال والأهداف، وهو ما حول اليمن إلى حقل ألغام.
فيما أوردت تقارير دولية بأن ما زرعته الميليشيات من ألغام في اليمن يفوق ما زرع خلال الحرب العالمية الثانية مما يجعل عملية التخلص من فخاخ الموت المتفجر تلك، أمرا غاية في الصعوبة.
فجريمة الألغام في اليمن تخطت كل الخطوط الحمراء، بعد تفخيخ الطرقات والمستشفيات والمدارس، وتفجير المنازل وهو ما تسبب في معاناة نفسية ومعنوية لدى أصحابها بعد أن شردتهم وجردتهم من مساكنهم التي ظلوا طوال حياتهم يسعون لبنائها فضلا عن تدمير السلم الاجتماعي، وهو ما يعد انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان.
وإزاء ما يتكبده السكان من معاناة لا تطاق على الإطلاق، فإن هناك حاجة ماسة لأن يمارس المجتمع الدولي دورا حاسما في سبيل مواجهة الإصرار الملغوم على تدمير اليمن.
غير أن الواقع غير ذلك بتاتا إذ يتابع العالم ما يحدث في اليمن من وراء شاشات التلفاز ببرودة أعصاب وكأن من يسقطون جراء فخاخ الموت المتفجر ليسوا بشرا من أبناء جلدتنا.
بيد أن هناك من كسر هذه القاعدة وهب لنجدة شعب من هول الألغام التي ألحقت أضرارا جسيمة بالبلاد والعباد.. إنه مشروع مسام الذي استطاع منذ إرسائه إنقاذ عديد الأرواح من بطش هذا السفاح المدفون تحت الأرض والذي يتصيد بكل ما يوجد على وجه تلك البقاع الطيبة.
وقد نفذ مؤخرا هذا المشروع الإنساني عملية إتلاف وتفجير لـ4650 لغم وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة في منطقة الطلعة الحمراء بمديرية صرواح غربي محافظة مأرب. وهي العملية الثالثة والعشرون لفرق مسام الهندسية في هذه المحافظة والرابعة والتسعون لمشروع مسام في اليمن.
كما تجدر الإشارة إلى أن المشروع استطاع تطهير أكثر من 18 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية منذ انطلاق عمله ولغاية الآن، ليستمر في ماراثونه الخلاق بدافع إنساني عميق، من أجل قهر الألغام في اليمن، فهنيئا لليمن بهذه “الفزعة الإنسانية” التي وضعت على عاتقها إنقاذه من الموت المتفجر ولن تتراجع عن هبتها هذه حتى تحقق ما وعدت به شعب اليمن الشقيق.