لم تنته معاناة اليمنيين جراء العدوان والحصار والموت والأوبئة والجوع، بل انكشفت فصول مأساة جديدة متمثلة في التشوهات والقتل والتشريد لاسيما في المناطق التي شهدت استخداما واسعا للألغام والعبوات الناسفة من قبل الميليشيات الحوثية.
هذه الجماعة ليست وليدة العقدين الأخيرين من تاريخ اليمن كما يتخيل البعض، وهي ليست حركة سياسية ظهرت نتيجة الهامش الديمقراطي الذي أوجدته الظروف وإنما هي واجهة لمشروع دموي يعصف باليمن منذ سنوات مرتكزا في عقيدته على الدم وضرورة إشهار السيف للوصول إلى كرسي الحكم. لذلك شهد اليمن ومازال يشهد مجازرا دموية على يد أفراد هذا الفصيل الإرهابي.
حالة مزرية قاسية مريرة مؤلمة، حالة ضياع وتخبط، حالة تربص وشك تحكم اليمني، حالة تحطيم ليس للبنى المادية فحسب بل تحطيم للبنى النفسية والثقافية والحضارية والتاريخية للإنسان اليمني.
الحرب التي تشنها جماعة الحوثي مستعرة وجبهاتها كثيرة يسقط فيها القتلى والجرحى يوميا بلا حساب، لكن تبقى هناك حرب أخرى خفية تدور رحاها ضد الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يتشاركون هذه المساحة الجغرافية مع أفراد هذه الجماعة، فيجوبون نفس التضاريس ويرعون الأغنام أو يمرون بالطرقات والجبال التي داستها أقدام هؤلاء المارقين مما يعرضهم للموت في الحال وفي أحسن الأحوال بتر أحد أو بعض أجزاء الجسد وخلق عاهات مستديمة. هذه الكوارث هي ثمرة زرع الألغام الأرضية في مناطق شاسعة من اليمن.
لقد استخدمت الميليشيات الحوثية الألغام بشكل واسع في حربها ضد اليمنيين، وهي تستخدم هذا السلاح المحظور دوليا دون الإلتفات لما ينتج بسببه من مصائب وآلام.
ولا تقتصر ألغام الحوثي على البر فقط بل يوجد ألغام في البحر أيضا. وهو ما يعد موتا عائما يخطف أرواح الصيادين ويشكل خطرا على حركة الملاحة.
وتعد جهود إزالة الألغام ضعيفة في ظل انتشارها الكبير وغياب الخرائط الدالة على أماكنها إضافة إلى إستمرار هذه الميليشيات في زراعتها.
لكن رغم العراقيل والمعوقات التي تقف حائلا دون التسريع في عملية تخليص اليمن واليمنيين من الشر الكامن في أراضيهم، تمكنت فرق مسام الهندسية من تحقيق إنجازات تدعو إلى بعث الأمل في النفوس.
فقد استطاعت منذ 2018 ولغاية الآن نزع 263797 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة علاوة على تطهير 24.800.280 مترا مربعا، وهي أعداد ليس من الهين تحقيقها في ظل الوضع المتأزم وتعنت الحوثيين الحاملين للواء الدمار والتخريب.
مسام يعمل بوتيرة عالية لإنتشال آلاف الألغام التي مازالت رابضة تنتظر ضحيتها وكل أمله إنقاذ الأرواح البريئة التي تدفع يوميا ثمن أطماع جماعة إنقلابية لم تأبه لمصير بلدها ولا شعبها.
تضحيات جليلة يقدمها عاملو المشروع خدمة لقضية عادلة لم تحظ بدعم عالمي قوي وموحد. لكن ذلك لم يزد مشروع مسام إلا إصرارا على إنتشال اليمن من مستنقع الحوثي وإعتاق رقاب سكانه من كمائن الموت.
في اليمن، الحوثي لا يتقن إلا نزع الأرواح وتوسيع المقابر. لذلك لم يتمكن اليمنيون من تقبل هذه الجماعة مهما فعلت، فكيف سيقبلون التعايش معمن يسلبهم الحياة ويضعهم في عداد الموتى؟.