حفنة من المصالح الواهية الضيقة وغياب للضمائر الإنسانية وإستباحة للمبادئ والقيم وقدرة لا متناهية على الظلم والجرم وإراقة الدماء، هو كل ما تسلحت به المليشيات لتحول اليمن إلى حقل مفتوح للألغام.
ولفرض هذا الواقع المر، إرتأت هذه الميليشيات في الألغام ضالتها. فسممت التربة بها ليحضر الموت والخوف بقوة في مختلف المحافظات حتى بات الموت يوزع مجانا على أبناء اليمن.
لقد زرعت الميليشيات الألغام في كافة المناطق التي وصلت إليها واندحرت منها وفي تلك المناطق التي لاتزال تسيطر عليها، وفي مناطق التماس بشكل عشوائي ودون التفريق بين مواقع عسكرية ومدنية، لذلك يمكن العثور عليها بين منازل المواطنين والمدارس والمساجد والأسواق ومناطق الرعي والزراعة ومصادر المياه والمصالح العامة والطرقات الرئيسية والفرعية وحتى في المياه الإقليمية وممرات الملاحة الدولية.
وقد خلفت تلك الفخاخ المئات من القصص المأساوية لضحايا مدنيين والتي رصدتها عدسات المصورين أو دونتها المنظمات الحقوقية.
هذه القصص رغم فداحتها وضخامة عددها فإنها لا تعكس حجم الكارثة وكذا أعداد الضحايا الحقيقية، فأرقام الضحايا أكبر بكثير وفي تزايد يومي جراء إستمرار الميليشيات في طمر تلك العلب القاتلة.
ورغم أن اليمن وقع على اتفاقية “أوتاوا” لحظر الألغام المضادة للأفراد عام 1997 وأصدر التشريعات التي تجرم وتحرم صناعة الألغام وتصميمها واستيرادها وتصديرها وحيازتها ونقلها وزراعتها، عدا القيام بتدمير مخزون الجيش اليمني منها في العام 2007 حتى كاد يعلن أراضيه خالية من الألغام الفردية بحلول 2020، إلا أن قيام الميليشيات بتصنيع وزراعة مئات الآلاف من الألغام أعاد الأوضاع إلى نقطة الصفر، وترتبط أحد اكبر جرائم التى أقدمت عليه هذه الميليشيات بتحويل الألغام المضادة للآليات إلى ألغام مضادة للأفراد ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأعراف.
ولم تقف دموية هذا الفصيل وإجرامه عند هذا الحد، فقد قام بتصنيع العبوات الناسفة المبتكرة من متفجرات تقليدية كالصواريخ وقذائف الدبابات والمدفعية.
كل هذه العوامل، لم تمنع مشروع مسام من قطع أشواط كبيرة في نزع الألغام وإتلافها إضافة إلى التوعية بمخاطرها وتقديم المساعدة للضحايا.
فلقد استطاع مشروع مسام التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لعب دور رئيسي في رسم الأمل في حياة اليمنيين من خلال دعم البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام بالأجهزة والمعدات الهندسية وكذلك عن طريق تنفيذ أنشطة مشتركة وبعث فرق متخصصة لنزع الألغام شملت كافة المناطق المحررة، مما مكن النازحين من العودة إلى منازلهم وقراهم ومناطقهم علاوة على تقديم الرعاية الطبية والدعم الإنساني لضحايا الألغام.
وعلى الرغم من أن قضية “الألغام الحوثية” كانت ولاتزال قضية جوهرية لبلوغ السلام إلا أن المجتمع الدولي مازال يدير ظهره لهذه الجريمة النكراء ولم يتحرك جديا لوقف العبث بأرواح الأبرياء.