الأخبار
وكأن هموم اليمن والانقلاب الذي استنزف طاقته لم تكن كافية لتزيد الأوبئة والأمراض من شقاء اليمنيين ومعاناتهم وينهش في أجسادهم حاصدا مزيدا من الأرواح.
لكن الطامة الكبرى تكمن في تدهور القطاع الصحي حيث تدمر أكثر من 160 مستشفى وعيادة نتيجة انقلاب الحوثي على البنية التحتية في خطوة انتقامية من الشعب اليمني، ليزداد الوضع سوءا في ظل العجز عن إسداء الخدمات الصحية اللازمة لإنقاذ المواطنين.
وكان ممثل الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أخيم تشاينر قد قال “أن طفلا في عمر أقل من خمس سنوات يموت كل 12 دقيقة باليمن، معظمهم يموتون نتيجة نقص المياه والتغذية الأساسية والرعاية الصحية والأدوية”.
أما فيما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي، فالأوضاع لا تقل تأزما، إذ يعاني أكثر من 20 مليون من انعدام الأمن الغذائي، نصفهم إن لم يكن أكثر يواجه نقصا حادا في الغذاء.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أعلن أن نسبة الفقر في اليمن ارتفعت إلى 75% مقابل 47% سنة 2014، وهو ما انعكس سلبيا على القدرة الشرائية للمواطن وعلى قدرته على توفير حاجياته الغذائية الأمر الذي جعل عديد العائلات تكتفي بوجبة واحدة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومن بين القصص المأساوية التي قرأتها وظلت عالقة بذهني هي قصة السيد الحجاجي الذي تجرع وأسرته مرارة الانقلاب حيث عاشوا في كوخ طيني معتمدا في البداية على كرم الجيران ثم أجبر على تقليل غذاء أسرته ليقتصر على حساء أوراق الشجر وبعض الخبز.
وسرعان ما بدأ ابنه ذو الأربع سنوات بالتقيؤ والإسهال وهي أعراض كلاسيكية لسوء التغذية، ثم لم تمر فترة حتى همدت حركته وصمت للأبد فقبل وجهه الصغير المصفر والحزن يعتصر قلبه وقمطه وحمله بين ذراعيه إلى المسجد حيث ووري الثرى بعد الصلاة تحت شجرة سدر.
ولم يكن يميز قبره سوى صخرة واحدة مكسورة ككسرة قلبه وروحه المتعبة البريئة التي تم اقتلاعها من مهدها لتغفو في تراب احتضن ضلوعها الصغيرة بحنان.
هذه ليست سوى حكاية من آلاف حكايات المعاناة التي يكابدها أهل اليمن يوميا، لتأتي الألغام وتجهز على ما تبقى بعد أن غزت الأراضي اليمنية، فصار اليمن يجثو على أكبر حقل ألغام في العالم، مما كبل حركة المدنيين.
لكن مشروع مسام مازال يحاول إزالة هذه الآفة وتحرير اليمن من براثنها. وبالفعل تمكن المشروع منذ انطلاقه ولغاية الثاني من أبريل الجاري من إزالة 100972 ذخيرة غير منفجرة، و50807 ألغام مضادة للدبابات، ليصل إجمالي ما تم إزالته 158404 في حين بلغت مساحة الأراضي التي وقع تطهيرها منذ انطلاقة المشروع 9539491 مترا مربعا.
يظهر عدد الألغام المنزوعة حجم الجرائم المرتكبة في حق الشعب اليمني من قبل الميليشيات الانقلابية، منتهكة القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وما خفي كان أعظم. لقد بات اليمن على شفا كارثة إنسانية لم ولن يشهد العالم مثيلا لها.