الأخبار

أنا طفل تلك حقيبته.. تحت الأنقاض وأقلامي
أنا طفل أصبح يتيما.. لا يملك دار الأيتام
وبأمي عنقود شظايا.. في ألم وبلا أقدام
مدرستي كانت أمنيتي.. وصباحي موعد إلهامي
مأساتي مأساة الدنيا.. وحياتي تشبه إعدامي
هكذا عبر الشاعر عبد الحفيظ حسن الخزان عن مأساة أطفال اليمن. وهي أبيات تلخص واقع الطفل اليمني بحذافيره، لكن هذه الكلمات ورغم بلاغتها فإنها تظل منقوصة لأن الصورة أصبحت أكثر قتامة.
فحريق الحرب الحوثية يزحف إلى مخادع الأطفال هناك لينهش أجسامهم النحيلة التي أنهكها الجوع والمرض، وأتعبتها الظروف القاسية. فالأطفال في اليمن لم يتذوقوا حلاوة الحياة لكنهم يتجرعون مرارتها بشدة.
وقد أثرت هذه الحرب التخريبية التي تشنها الميليشيات الحوثية في نفسية الأطفال الذين يعيشون في خوف ورعب، مما يولد لديهم عملية صد ذهني، فتحدث حالة من عدم التركيز وعدم القدرة على الحفظ والانتباه.
كما أن تعود الطفل على مشاهد القتل ومناظر الدماء تؤدي إلى فقدان قيمه الداخلية وبالتالي إهتزاز قيم المجتمع لديه، مما ينعكس على شخصيته وسلوكياته فيميل إلى الألعاب القتالية المليئة بمظاهر العنف والرعب.
إن الطفل اليمني يعيش في جحيم المجاعة والمرض في ظل انعدام الأمن الغذائي وانهيار النظام الصحي، ليلقى طفل يمني حتفه كل عشر دقائق.
أطفال آخرون يقضون بشكل يومي في الحرب المستعرة، إما بالقصف العشوائي على المنازل والأحياء السكنية أو بسبب الألغام التي يزرعها الحوثيون بطريقة مموهة في المناطق التي سيطروا عليها.
وقد لجأت هذه الجماعة إلى تمويه الألغام على هيئة ألعاب أطفال حتى يسهل استدراج الصغار إليها ليلقوا حتفهم، إذ قضت الألغام على العشرات من الأطفال حتى صارت هذه الحوادث تتكرر بصفة دائمة.
ولعل قصة الأطفال الثلاث أصيلي قرية القضابا في ضواحي مديرية الخوخة لن تكون الأخيرة حيث قتل أحدهم وأعيق الثاني ونخرت الشظايا جسم الثالث لتستقر فيه، وذلك عندما كانوا في مزرعة قبالة منزلهم الذي عادوا إليه بعد رحلة نزوح، حيث عثروا على لعبة فتسابقوا للظفر بها لكن سرعان ما انفجرت بمجرد أن لمسوها.
أما جنوب مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة، فقد أسفر انفجار لغم عن مقتل الطفل أنس عبد الكريم ذا 7 سنوات وأصيب شقيقه عبد المولى البالغ من العمر 4 سنوات بجروح بليغة كما أصيب المواطن عبد الرحمن فيصل، وذلك أثناء مرور السيارة التي كانت تقلهم بمنطقة حيمة.
وغير بعيد عن ذلك المكان قتل طفل في السابعة من عمره وأصيب شقيقه في انفجار لغم بالعربة التي كانا على متنها خلال عودتهما إلى منزلهما في حين أصيب مدني بجروح متفرقة. كما أصيب طفل يبلغ من العمر 13 عاما في صدره أثناء لعبه أمام منزل عائلته جراء استهدافه من قبل قناصة الميليشيا الإرهابية في المديرية ذاتها.
لقد أصبح مستقبل الأطفال مهددا بسبب ما يرتكبه الانقلابيون من انتهاكات في حقهم من قنص وتجنيد وتجويع وحرمانهم من التعليم ، لكن تبقى الألغام العدو الأول للطفولة في اليمن، فهي تجتثها من عالمها الوردي وترمي بها في المستشفيات وتقطع أجسادهم الغضة إلى أشلاء لتكون تربة بلدهم ملاذهم الأخير الأكثر حنوا وتحتضن ضلوعهم الصغيرة بعطف لم يجدوه في قلوب أناس فقدوا إنسانيتهم.
تعددت المشاهد والنتيجة واحدة، حيث يشهد اليمن أكبر عملية تدمير طالت البشر والحجر، استعملت خلالها الميليشيات الحوثية جميع الوسائل للانتقام من اليمنيين الذين صمدوا أمام هرسلتها وقاوموا عربدتها.
لكن لطالما كانت الألغام السلاح رقم واحد لما له من آثار سلبية على الحاضر والمستقبل. فهذه الجماعة تتلذذ بإراقة دماء الأبرياء وتسعد بنسف مستقبل أطفال اليمن وتقويض شخصياتهم حتى صار جيل كامل يواجه خطر الموت بعد أن فخخت الأيادي الحوثية الآثمة أرضه بقاتل لا يرحم.