اليمن عالق اليوم بين عراقة الماضي وضبابية المستقبل. في اليمن أمة تبحث في حاضرها المظلم عن سبيل للنجاة فلا تجد لا الحاضر ولا المستقبل، وإذا وجدته لا تجد فيه إلا القتل والدماء والتمزق حتى انحدر به الوضع إلى القاع.
اليمن يئن ويتوجع اليوم ويعاني من ميليشيات الشر التي ترفع راية الإرهاب في وجه كل يمني، فقد عاثت في الأرض خرابا وفسادا فشردت ويتمت الأطفال ورملت الزوجات وقضت على مستقبل العائلات وفجرت المنازل وقطعت الأجساد إلى أشلاء وذلك في سبيل تحقيق أطماع شيطانية.
في هذه الأيام الشاقة، يشعر كل يمني أن كل قنبلة تسقط أو لغم ينفجر يقع على قلبه ويخلف دمارا فظيعا. كل شيء صار في لحظة غدر وظلم وعدوان منبع أحزان وموطن جراح وعنوان أوجاع.
اليمن الذي كان في يوم من الأيام ينعت بالسعيد صار اليوم رمزا للموت.. كل أنواع الموت.. فمن لم يمت فيه بقنبلة يموت قهرا أو جوعا أو يأسا أو بانفجار لغم.
فالميليشيات جعلت من اليمن مسرحا لأعمالها الإرهابية وأفعالها غير الإنسانية التي ألحقت أضرارا جسيمة بالبلاد والعباد، إذ حاصرت الشعب اليمني وطوقته بشراك الألغام فقتلت الآلاف وبترت أطراف آخرين عدا عن تشريد وتجويع الملايين في إنتهاك صارخ لكل الأعراف الدينية والأخلاقية والقانونية.
لكن ما يثير الدهشة ويغرز خنجرا في القلب أن هؤلاء المارقين اقتحموا عالم الطفولة والبراءة، فزرعوا في جوف الألعاب ألغاما ليكون براعم اليمن الهدف المباشر لهم. علاوة على نشرها في جميع أنحاء اليمن حتى أصبحت تمثل خطرا حقيقيا على المدنيين عموما خاصة في ظل جنون هذه الجماعة بزراعة هذه الفخاخ بشكل عشوائي ودون خرائط.
بفضل جهد أفراد هذا الفصيل استحق اليمن لقب “أكبر دولة ملغومة” عن جدارة. فقد سهرت عناصره الإرهابية على نشر علب الموت في كل مكان تمر منه لتخلف بذلك معاناة وكوارث لا تحصى ولا تعد.
بهذا السلاح الغادر تمكن الحوثي من سرقة الأحلام وسلب الإبتسامة ووأد الطفولة. هذه الأعمال تعد نسخة مصغرة عن المشاريع التي حملتها رياح تغييرهم لليمن.
إن عمليات زراعة الألغام التي نفذتها الميليشيات هي واحدة من أخطر الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وهي جرائم حرب بحق حاضر ومستقبل اليمنيين.
وإدراكا منها لخطورة الوضع الذي يرزح تحته الملايين من الأبرياء، تسابق فرق مسام الزمن لتجنب الناس شر هذه الألغام اللعينة التي لا ترحم كل من يقترب منها إذ لا تخرج خاسرة أبدا فهي إما تسلبه حياته أو أحد أطرافه لتترك ندوبا غائرة في الأرواح والأجساد على حد السواء.
وقد استطاعت الفرق الهندسية التابعة للمشروع إزالة 265037 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة منذ نهاية 2018 ولغاية الآن مع تطهير 24.938.592 مترا مربعا من الأراضي اليمنية.
هذا العمل الإنساني يعمل في المناطق المحررة من أجل إعادة السكان إلى مناطقهم وممارسة أعمالهم بشكل طبيعي وآمن بعد نزع الأشواك القاتلة الموزعة في كل شبر هذا إضافة إلى إتلاف وتفجير الألغام المنزوعة أولا بأول لكي لا يعاد استخدامها من أي طرف كان.
مازال اليمن يتخبط في شرك الألغام خاصة مع استمرار الميليشيات في زراعتها. فهو يحتاج لسنوات حتى يتعافى من هذا الوباء الذي أخذ منه مأخذا عظيما.