الأخبار

اليمن السعيد.. هكذا كانوا يطلقون عليه قبل ظهور الجماعة المسلحة الدموية المنادية بفكر الولاية والتي تريد تسلم مقاليد الحكم حتى وإن كان الثمن إراقة دماء الأبرياء وتخضيب الأراضي بها، لكن هذه الحضارة بقيت صامدة رغم أنف الزمن ومن أرادوا به السوء من الطامعين فتموجات التاريخ لم تتوقف يوميا لكن الحضارة اليمنية مازالت شامخة.
إن اليمن يعيش هذه الفترة أسوء أيامه، فالانقلاب مزق أوصاله وقتل أبناءه وشردهم، لذلك فيمن اليوم لم يعد ذلك اليمن السعيد، حيث باتت الدموع ملاذا أبنائه الوحيد بعد أن أصبح الموت يحاصرهم من كل جهة.
لقد صار اليمن من أكثر الدول معاناة لانتشار الألغام بل ويرى البعض أنه يزاحم دولا أخرى لتصدر القائمة في هذه الكارثة على غرار سوريا والعراق، لأنه يعد من أكبر حقول الألغام على وجه الأرض.
فمنذ بداية الانقلاب، اعتمدت الميليشيات الحوثية سياسة زرع أدوات الموت الغادر في كل منطقة تدخلها حيث عمدت إلى نشر عشرات الآلاف من الألغام الفردية والمضادة للمركبات بشكل مكثف خاصة في الأماكن المكتظة ومداخل المدن ومخارجها والقرى والطرقات.
فتركيز الميليشيات في طمرها للألغام على المنازل والأحياء السكنية كان بهدف إحداث أكبر ضرر ممكن وخاصة في الأرواح.
هذا السلاح الكامن تحت الأرض يعمل بصبر كبير فهو لا يفتأ يتربص بالمواطنيين لينال منهم هذا ما جعل المملكة العربية السعودية تسعى لإبعاد اليمن عن حافة الانهيار وتجنيب مواطنيه شبح الموت، وذلك عن طريق مشروع مسام لإزالة الألغام الذي أتم عامه الأول في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
وإيمانا من المملكة بضرورة مواصلة دعم ونصرة الشعب اليمني بالتصدي لعدوان الميليشيات الانقلابية، مدد مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عقد تنفيذ مشروعه “مسام” لنزع الألغام بجميع أشكالها وصورها التي زرعها المتمردون بطرق عشوائية في الأراضي اليمنية وخاصة في مأرب وعدن وصنعاء وتعز بمبلغ قدر بـ30.494.922 دولار لمدة سنة.
وهو ما أكده المستشار بالديوان الملكي المشرف العام على المركز الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة بقوله إن تجديد العقد مع الشريك المنفذ يأتي استشعارا من المركز بالمسؤولية الإنسانية الملقاة على عاتقه تجاه الأشقاء في اليمن.
فمشروع مسام مثل طوق النجاة لليمنيين، حيث اكتسى أهمية بالغة نظرا لدوره الفعال في إنقاذ أرواح الآلاف من الأبرياء، لذلك يسعى من خلال فرقه الميدانية إلى استكمال تطهير الأراضي اليمنية من الألغام التي قام الحوثيون بصناعتها وزراعتها بطريقة عشوائية غير مسبوقة وبأشكال مختلفة ومموهة لاستهداف المدنيين العزل مما نجم عنه حدوث إصابات مستديمة وإعاقات مزمنة وخسائر بشرية.
فميليشيا الحوثي تركت مسارات غاصة بالألغام الأرضية بعد دحرها من المحافظات والمناطق التي جرى تحريرها، فيما واصلت زراعة هذا القاتل الصامت في أنحاء متفرقة من المناطق الخاضعة لسيطرتها حاليا لذلك فإن مشروع مسام سيخدم المواطن اليمني وسيضمن له الأمن الحالي والأمان المستقبلي، لكن هذا الأمر لا يخلو من الصعوبة نظرا لخطورة المهمة ولكثافة الألغام المنتشرة على التراب اليمني.
إن مشروع مسام ليس سوى واحد من جملة المشاريع والمبادرات التي تقدمها المملكة لليمن لرفع المعاناة عن هذا الشعب الذي عانى الأمرين، ولعل مراكز الأطراف الاصطناعية المنشأة في مأرب وعدن تشكل هي بدورها بصيص الأمل للذين فقدوا أطرافهم خاصة النساء والأطفال الذين يمثلون أغلب الضحايا لاستعادة حياتهم التي حاولت الألغام الحوثية وأدها.
فقد قامت هذه المراكز بتوفير العلاج والتأهيل اللازم لعدد كبير من المصابين هذا علاوة على تكفل مركز الملك سلمان للإغاثة بتسديد تكاليف علاج عدد من الحالات بالمراكز الطبية العامة والخاصة باليمن وداخل المملكة.
لقد تمكن مشروع مسام خلال مرحلته الأولى من إزالة أكثر من 74 ألف لغم وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة، لكن هذا الرقم رغم أهميته فإنه لا يتماهى والمجهودات المبذولة من قبل فرق مسام التي تطمح لتحقيق معدلات أفضل أثناء المرحلة المقبلة نظرا لإيمانها الراسخ بقيمة رسالتها الإنسانية التي تهدف من خلالها إلى التغلب على المآسي الناجمة عن انتشار الألغام وإنقاذ حياة المدنيين.