أي عقل يحرك تلك الأيادي التي تمتد لتمزق جلود الأطفال الرقيقة، ولتسرق طفلا من عالمه وتقذف به في غياهب الألغام والقذائف، عالم يفيض بأبشع أشكال العنف، يقبع فيه أطفال يجهلون أي ذنب اقترفوه ليلاقوا هذا المصير البائس والمرير.
خلال السبع سنوات الماضية عاش اليمن حرب إبادة راح ضحيتها المئات من الأطفال الذين لم يستطيعوا مقاومة نقص الغذاء والرعاية الصحية وتلوث المياه، عدا بطش الألغام التي فتكت بالعديد منهم بدم بارد.
اليمن هذا البلد الذي أكلته ألسنة اللهب وطحنته حرب ظالمة، يخسر كل يوما أطفالا في سن الزهور حيث يقتلون ويحالون إلى الكراسي المتحركة إن وجدت، ويقذفون في زوايا الإعاقات والعجز، بسبب ألغام شاركتهم أرض وطنهم التي خضبت تربتها بالدماء البريئة والتي تشكو تزايد التوابيت الصغيرة فيها يوما بعد يوم.
أحمد الوعل أحد ضحايا الألغام التي زرعتها الميليشيات في اليمن، تلخص قصته ما يعانيه الشعب اليمني عموما والأطفال خصوصا من ويلات نتيجة انتشار هذا الوباء الملغوم الذي لا يرحم، فأحمد الوعل قد سلبت منه حياته بعد أن داس بقدمه إحدى فخاخ الموت أثناء رعيه للماشية في منطقة مخلق بمديرية العبيدية، فيما أصيب قريبه بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده.
وفي اليمن يتكرر مشهد تلك الدمعة التي تجري على خد طفل يتيم أو أم ثكلى أو شيخ هرم بسبب جراح الألغام التي مازالت تنزف والتي كلما اندمل أحدها فتحها لغم آخر ورشت عليها فخاخ الموت المتفجر ملح الأوجاع والشقاء.
فعدم الاستقرار والفزع والآمال التي تقطعت بها السبل، لم تبق على شفاه الكثيرين إلا عبارات الحسرة وذكريات من مات وماض لن يعود.
فلم يعرف اليمن جماعة أكثر قسوة ووحشية من هذه الميليشيات التي زرعت الموت في كل مكان، نظرا لاستخدامها أسلوب بتر الأذرع والأيادي والأقدام إضافة لقطع الأنفاس وتحويل الأجساد إلى كتل لحم ملطخة بالدم بسبب ما تزرعه من إرهاب تحت الأرض وفي بطون الصخور وجذوع الأشجار وآبار المياه والجبال والصحارى وغيرها.
إن ما تقوم به ميليشيات في اليمن هو عمل ممنهج تستخدم فيه الألغام والمتفجرات بكافة صنوفها كأبرز تكتيكاتها الحربية أثناء اجتياحها للعديد من المحافظات والمدن. إذ قامت بزرع حقول من الألغام على مساحات شاسعة من الأراضي والمزارع والطرقات والمناطق المأهولة بالسكان بشكل يتنافى مع كل القيم الإنسانية وينتهك القوانين الدولية مما ألحق أضرارا فادحة بسلامة وصحة الآلاف من اليمنيين وأدت إلى حالات النزوح القسري.
ونظرا لأن المعركة ضد الإرهاب هي معركة الإنسانية جمعاء ولأن المستهدف من خلالها هو الإنسان، فقد هبت المملكة العربية السعودية لمساعدة شقيقتها اليمن لأن ما يجمعها بها ليس رابط إنساني فقط وإنما علاقة جوار وأخوة.
وقد كان ذلك عن طريق مشروعها مسام الذي تمكن حتى الآن من تعزيز جهود اليمن لنزع الألغام في العديد من المناطق ومن بث الأمل في الخلاص واسعا في تلك الربوع.
فمنذ الأيام الأولى لحلوله بأرض اليمن لعبت فرق مسام الهندسية دورا بارزا في تطهير الأماكن المحررة من الألغام والعبوات الناسفة. الأمر الذي انعكس على سرعة إيصال المساعدات الإنسانية لتلك المناطق وإعادة دورة الحياة الطبيعية لها. وقد استطاعت إلى حد اللحظة من إزالة 243712 لغما وذخيرة غير منفجرة وتفكيكها وإبطال مفعولها قبل عمليات إتلافها نهائيا.
كما حرص مسام على نقل خبراته في مجال نزع الألغام إلى الكوادر اليمنية المحلية علاوة على تنظيم حملات توعية لأهالي المناطق والقرى المحررة حول مخاطر الألغام والعبوات الناسفة، واضعا نصب عينه الإنساني اليمني الذي من حقه أن ينعم بالحياة الآمنة بعيدا عن فخاخ الموت الطاحن.