الأخبار
لم يعرف العالم معنى تتقيد الحركة والحياة الاجتماعية وع الاحساس بالرضوخ لمحددات حياتية صارمة بشكل موسع، إلا مع أزمة وباء كورونا المستجد الذي وضع العالم في خندق واحد وأسرى إلى حد ما الناس خوفا على حياتهم.
وهي تجربة صعبة مازال العالم يكابد الأمرين لتأكيد تقيد الناس بها بحكم عدم توفر لقاح حتى الآن لهذا الوباء، والجميع يحس بوطأة الحجر وصعوبة التعايش مع عدو لا يرحم.
لكن ماذا عن اليمن الذي يعيش منذ سنوات على وقع حصار الألغام له والذي انقلبت حياة أهله كساعة رملية، وفقد الناس في تلك الربوع حرياتهم الأساسية كالتنقل وكسب القوت والحياة الاجتماعية بسبب ما فعلته بهم الألغام، فعاش الناس ولازالوا الترهيب والعزلة والتشتت والعجز والموت الملطخ بألوان من العذابات والمآسي.
ماذا عن هؤلاء، الذين حوصروا في خندق الألغام وطحنتهم ومازالت نقمة فخاخ الموت إلى حد بعيد، وأغلق العالم عيناه ودار ظهره لهم إلى حد كبير، وظلت مأساتهم في الظل ومعاناتهم متدثرة بالصمت حتى حط مشروع مسام رحاله في الأراضي اليمنية، كفسحة عطاء وأمل مدت يد الإغاثة والعون لليمنيين من خلال تخليصهم من آلاف الألغام وأوصل صوت معاناتهم للعالم، مبينا مقدار جرم الميلشيات ومقدار التحدي الذي ينتظر هذا المشروع لتخليص اليمن من محنة الألغام، وكذلك الدور المطلوب من العالم نحو هؤلاء الناس الأبرياء الذين استباحت الألغام حياتهم وسلبتهم الحق في العيش الكريم.
فالعالم يمكن أن يقيس على محنة كورونا ليرى غيضا من فيض ما عاناه ويعانيه اليمني بسبب تقييد الحركة، ولو أن المقارنة قد تشوبها الكثير من الفروقات لكن وباء كورونا ربما يمنح للعالم صورة مصغرة عن واقع اليمني، فالتجربة هي خير مدرسة لتعلم والاحساس الحق بالآخر.
فوباء كورونا سلب الناس حياتهم الاجتماعية وقيد حركتهم خوفا على حياتهم، والألغام في اليمن فعلت بالناس مثل ذلك وأفظع لأن الوقاية ربما تكون ممكنة مع الوباء من خلال الاجراءات الاحترازية ومجهودات الارشاد والتعقيم والبحوث الجارية على قدم وساق على أمل الظفر بالدواء الشافي لهذا الداء، لكن الحال مع الألغام أكثر قتامة فخطوة قد تكلفك حياتك وتخمين أماكن تربص فخاخ الموت تلك بك شبه مستحيل لأنها زرعت بطريقة عشوائية وأساليب تمويه شيطانية.
فاليمن عانى ومازال يتجرع الأمرين مع محنة الألغام، لكن وصول مدد مسام له طبب الكثير من جراحه وأشاع الأمل في وجوه وعبارات وأفئدة الناس، وهم يرون فرق مسام ترابط من أجل تخليصهم من الموت المدفون تحت الثرى، لتبقى المواصلة والمثابرة المفتاح الحقيقي الناجع لفك حصار اليمنيين من الألغام.