الأخبار
مرت 8 أعوام ونصف على الحلم الأول لليمنيين، صرختهم الأولى حينما اكتشفوا أنهم يستطيعون جعل بلدهم المقهور واحة للحريات والعدالة الاجتماعية.
كانوا وقتها يحلمون بالتغيير تملأهم طاقة عظيمة، اليمن السعيد أقدم على ثورة سلمية بامتياز لإزاحة من عاث فسادا في البلاد وأضاع البوصلة، فتجد الثائرين في شارع والمؤيدين في شارع آخر، كل منهم يفعل ما يراه صحيحا. لكن أيادي خفية تلاعبت بهذه الثورة وحولتها إلى حمام دم بعد أن بحثت عن حجة للانقضاض على الثائرين وعلى السلطة.
ومنذ تلك اللحظة، باتت أقصى أحلام اليمنيين البقاء على قيد الحياة فقط لا غير، بعد أن لغمت الميليشيات الحوثية الأراضي اليمنية وأقدمت على تجنيد الأطفال والرمي بالمدنيين في محارق انقلابها.
هذا إضافة إلى اعتمادها على زرع المتفجرات والألغام المحرمة دوليا ليس كوسيلة دفاع عن النفس وإنما كسياسة ممنهجة لاستهداف الأبرياء وإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا انتقاما من المدنيين خاصة في ظل النزيف المستمر في صفوفها وخسائرها اليومية، عدا عن عدم قبول المجتمع لها ونفورهم منها مما أثار جنونها وحقدها، وجعلها تقدم على هذا الفعل الإجرامي فغرزت أشواكها القاتلة في الأحياء السكنية والطرقات العامة والوديان والمزارع والمدارس والمستشفيات والآبار.. غير مكترثة بالمخاطر التي ستترتب عن هذا العمل.
ولم تستثن السياسة الحوثية في زراعة الألغام الجسور والجامعات والمساجد والمنازل ولا حتى البحر ومناطق عبور السفن التجارية الدولية لتمثل بذلك تهديدا لحركة الملاحة الدولية وسببا في حرمان مئات الصيادين من ممارسة مهنتهم.
وقد بينت نتائج المسوحات الميدانية لدراسة حجم مشكلة الألغام في اليمن أن جميع المحافظات لوثت بالألغام. ولم تكن محافظة الجوف بمنأى عن هذه الكارثة التي ألمت بهذه الأرض الطيبة والتي باتت تترصد تحركات المواطنين وتسقط ضحاياها بشكل يومي. وتقول السلطات المحلية في المحافظة الاستراتيجية، والتي تقع أجزاء منها على الحدود مع السعودية، أن محافظة الجوف تواجه وضعا كارثيا جراء زراعة الحوثيين للألغام بكثافة في مناطق واسعة من المحافظة. وتعتبر مديريات خب والشعف والغيل والمصلوب والحزم والمتون أكثر مديريات الجوف تلوثا بهذه الآفة.
وكان مدير مكتب حقوق الإنسان في الجوف، عبد الهادي العصار، قد أكد أنه تم رصد 815 انتهاكا نتيجة الألغام منذ 2015 وحتى نهاية العام الماضي، مشيرا إلى أنه حتى نهاية 2019 تم تسجيل ما يقدر بـ190 قتيلا و385 حالة جرح وتشويه وإعاقة إضافة إلى 78 حالة تدمير للمركبات ونحو 165 حالة أضرار نفسية لحقت بأقارب الضحايا وأسرهم. مبينا أن معظم الضحايا سقطوا أثناء استخدامهم للطرق أو ولوجهم لمزارعهم أو في مناطق رعي الماشية.
مثل هذه الأعمال والانتهاكات المشينة تتنافى مع كافة المعاهدات والأعراف الأخلاقية المحلية والدولية، الأمر الذي أثار حفيظة العاملين في مشروع مسام وجعلهم يسابقون الزمن لإنقاذ اليمنيين من فخاخ الموت الحوثية. وكان مدير عام المشروع السيد أسامة القصيبي قد أعلن أن الفرق الهندسية نزعت خلال الأسبوع الماضي 1385 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة من مناطق مختلفة من اليمن ليصل بذلك إجمالي ما تم نزعه منذ مطلع نوفمبر وحتى آخر جمعة منه إلى 6114 لغما.
بالتالي بلغ مجموع ما أزاله المشروع منذ تأسيسه في يونيو من عام 2018، 201385 لغما وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة وهو يعتبر الحد الأدنى لعدد الأبرياء الذين وقع إنقاذهم من براثن الموت.
إن إرساء هذا المشروع الإنساني ساهم بشكل أو بآخر في تخفيف وطأة هذه الكارثة على اليمنيين. حيث تمكن من تطهير عديد المناطق والتصدي للتهديدات المباشرة لحياة الإنسان اليمني وعزز الأمن هناك وساعد اليمنيين في معالجة المآسي الإنسانية الناجمة عن انتشار الألغام.