الأخبار
صدق المثل الشعبي الذي يقول “لا يحس بحر الجمر إلا من يمشي عليه”، فمهما تعاطفنا مع أهل اليمن في محنتهم مع الألغام وحزنا على ما ينالهم من أذاها، فإن من اكتوى بظلم الألغام وقهرها فقط هو من يحس الإحساس الحقيقي المر بجورها ولوعتها.
فلك أن تتخيل لوهلة أنك لسبب أو لآخر بت عاجزا عن المشي والحركة والقيام بأبسط احتياجاتك اليومية بنفسك، ولك أن تتخيل ما يترتب عن هذا من متاعب لك في الحياة وما تخسره بسبب هذا الطارئ الجديد عليك على مستوى حياتك العائلية والاجتماعية والمهنية وغيرها.
مجرد التخيل يجعلك تحس بخوف عميق يسري فيك وهواجس تجتاحك فجأة، فتفر بسرعة البرق من هذه الفكرة المرعبة وتتركها وترفض حتى أن ترددها بينك وبين نفسك، فما بالك إذا كان ما ألم بك من عجز سببه لغم غادر سلبك برد الحياة، ورمى بك في غياهب شديدة الظلمة.
إحساس صعب للغاية وواقع مر لا يمكن تحمله وليس من السهل التعايش معه لما فيه من مشقة ومصاعب.
وهذا الواقع يعيشه عدد كبير من اليمنيين اليوم ممن رمت بهم الألغام ضمن قوائم العجز والإعاقات المزمنة، لكن الشاب منصور أحمد، وهو واحد من هؤلاء اليمنيين والذي نال منه لغم في جبهات الدفاع عن وطنه، قلب المعادلة وهزم بإيمانه وصبره وقوة إحساسه بالرضى الألغام التي نهشت أطرافه.
فمنصور أحمد شاب في ربيع العمر، وهو طالب طموح أيضا ومحب للحياة، لم يستطع أن يرى وطنه اليمن يحتضر ولا يجيره في محنته، فلبى نداءه وأبلى في ساحات القتال بلاء حسنا.
لكن الألغام الغادرة التي لا تعرف إلا قانون الصيد لضحاياها على حين غرة، نالت من منصور وهو بصدد الدفاع عن وطنه.
فبات منصور أحمد مقعدا، لكنك حين تقبل عليه لتحادثه وتستجلي ما ألم به، يفيض إحساس الرضى الذي يسكن صدره ومحياه على المكان حتى يتسرب إليك من عباراته التي تقطر تفاؤلا وإيجابية، خاصة مع حفاظه على ابتسامة دائمة على محياه.
لا يمكن البتة أن تواسي منصور أحمد عندما تزوره، لأن بسمته وإيجابياته وإحساسه يحبس كلمات التعاطف معه بطريقة مذهلة. أما معنوياته فتعانق عنان السماء. فمن أين استمد هذا الشاب المقعد كل هذه القوة والإيجابية وهو ضحية للغم غادر ولم يرى بعد من حلاوة الحياة شيئا؟.
سؤال محير، وحالة فريدة لهذا الشباب الذي هو حقا مدرسة في الإيجابية والرضى بالقدر وحسن الإيمان بالقضاء، بل إن منصور يحمل في صدره نوعا من الشفقة على هذه الألغام وزراعها، وهو واثق أن ضعفهم وخوفهم حملاهم على طرد الهزيمة بزراعة الموت في دروب الأبرياء بطريقة عشوائية.
وهكذا هزم منصور أحمد الألغام ومحنته معها وحافظ على معنا عذبا للحياة خاص به لم تقدر فخاخ الغدر حتى على خدشه.