بالأمس كان خدام علي في خدمه نفسه وأسرته، يحيا حياة بسيطة ككل يمني يكسب قوته من عرق جبينه، لكن يحمل في صدره أحلاماً و بين ضلوعه أماني كثيرة يتمنى قطف ثمارها بعد أن يضع فلذات أكباده على طريق الحياة ويؤمن لهم درباً يسيراً فيها.. لكن كل تلك الأماني والمطامح عصف بها لغم غادر على حين غرة وأحالها رماداً، تماماً كأيام خدام علي اليوم.
كان خدام يركب البحر وينهل من خيراته ويطعم أهله مما يجود عليه ذاك الأزرق المترامي، بحكم أنه صياد زاول هذه المهنة لسنوات وسنوات، وفتح بفضلها بيتاً وكون أسرة متلاحمة دافئة قنوعه مثله، كما كان يجوب خدام المراعي مع أغنامه التي يرعاها ليدعم من خلال رعيها المستوى المعيشي لأسرته.. كانت الأيام تمر هادئة هانئة مع خدام وعائلته التي يحيا من أجلها ويحلم بأن يؤمن لها حاجياتها ويسعدها من عرق جبينه.
فلخدام طفلين صغيرين شديدا التعلق به، ينتظرانه بشوق الطيور إذا ركب البحر حتى يعوم سالماً غانماً، ويمكثان عند مدخل البيت في انتظاره إذا انطلق للرعي، حتى يرشدهما صوت الأغنام أن أباهم صار قريبا من بيتهما، فيستقبلانه بحب وشوق كبيرين.
الحقيقة أن حياة خدام لم تكن سهلة وفيها من التعب ما فيها، لكنها كانت سعيدة ومسكونة بالقناعة والأمل والرضى، حتى حلت المأساة بخدام وعائلته وضاعت سكينتها.
كل شيء في حياة خدام كان على ما يرام، حتى اعترض سبيله يوماً لغم غادر وفتك برجليه وأقعده للأبد عن كل ما كان يقدمه هذا الأب المعطاء الطموح لنفسه وأسرته. خسارة خدام لرجليه وضعه وعائلته الهشة في عنق زجاجة الحاجة والبؤس.
اليمن يجلس خدام مقيداً بإعاقته لا يقوى سوى على التذكر والتفكر فيما كان وما آل له حاله، والعجز سيد الموقف في حياته، حيث يقول خدام لمكتب مسام الإعلامي: “خسرت رجلي وكل ما كنت أقوى على تقديمه لعائلتي، لا أحلم اليوم سوى بمعاودة المشي مجدداً، أعلم أن هذا حلم لكن عائلتي بحاجتي وبقائي أسير العجز يقتلني ويعذبني إلى أبعد الحدود”.
يحوم طفلي خدام حول والدهما المقعد، وتحكي ملامحهم الصغيرة مقدار ألمهم لرؤية أبيهم على هذا الحال، يلامسانه حينا وكأنهما يحاولان التخفيف عنه بحركاتهما البريئة، ويبادلهما أبوهما اللمسات وكأنه يطمئنهما بأنه مازال بجوارهما ولن يتخلى عنها.
مجرد لمسات حانية لتطبيب جراح غائرة نازفة.. لمسات تحاول جاهدة طرد مارد البؤس الذي وضع رحاله بقوة في بيت خدام، الذي تهاونت أركانه وتضعضع بنيانه بعد أن حكمت الألغام ظلماً على هذا الوالد بالعجز مدى الحياة، وأقدته عنوة عن مهامه كأب محب معطاء وحالم.