الأخبار

“عاد الأطفال من خارج المنزل وهم يحملون كتلا من الحديد ولا يعلمون ما بداخلها، وأثناء اللعب بها داخل المنزل انفجرت وتحول الأطفال الثلاثة مع والدهم إلى أشلاء وتحطم جزء كبير من المنزل”. هذا ما قاله أحد أقارب الأطفال الذين استشهدوا في نوفمبر 2017 بمنطقة الخوخة ظانا أن هذه الحادثة ستكون الوحيدة، لم يكن يعلم أنها ستعاد مرارا وتكرارا في اليمن حتى بات الأمر مألوفا. فكل شبر في هذا البلد يئن ويتوجع بعد أن رويت تربته بدماء أبنائه.
لقد جدد الحوثيون معاناة الشعب اليمني مع الألغام، بعد أن قاموا بزراعتها بمعدل مرتفع للغاية على طول الساحل وعلى الحدود مع السعودية وحول المدن الرئيسية وعلى طول طرق النقل المرتبطة بصنعاء هذا إضافة إلى طمرها في المنازل والمدارس والجامعات.
هذا الأسلوب الموغل في الوحشية اعتمدته الميليشيات الحوثية للانتقام من أفراد الشعب اليمني الذي كشف حقيقتها الدموية، فقد استغلت هذه الجماعة طوق اليمنيين للحرية وبناء دولة قانون يحترم فيها المواطن لينشروا فوضتهم وينقضوا على الحكم.
لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق مآربهم نتيجة صد اليمنيين لهم والوقوف في وجه بلوغ غايتهم، مما جعل هؤلاء الانقلابيون ينفثون سمهم في جوف الأراضي اليمنية كعقاب لهم. وقد أدى ذلك إلى عدة آثار سلبية على الإنسان اليمني، حيث ارتفعت حصيلة القتلى وازدادت أعداد المدنيين المصابين مما أسفر عن الإضرار بالمجتمع.
كما شكلت الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار تهديدا حقيقيا لليمنيين وعائقا في طريق عودتهم إلى منازلهم ومزارعهم التي نزحوا منها. هذا علاوة على تجنيد الأطفال، حيث يتم التغرير بالأطفال أو خطفهم من أجل زراعة الألغام والقتال في الجبهات، وهو ما ينعكس سلبيا على شخصية الطفل. وقد يتحول لاحقا إلى شخص ذي دوافع وسلوكيات غير طبيعية يصعب تحويله إلى عنصر رافد للتنمية في المستقبل.
إن حرب الحوثيين قائمة أساسا على التخريب والدمار، حيث لا يتركون وراءهم شيئا سليما خاصة بعد كل هزيمة، إذ يكرمون المناطق التي يضطرون إلى الانسحاب منها بكميات هائلة من صناديق الموت.
فالميليشيات الحوثية سعت ومازالت تسعى إلى تفجير الحاضر من خلال إطلاق الصواريخ والقنص وزراعة الألغام وكذلك إلى تفخيخ المستقبل لما للألغام من أبعاد مستقبلية، لذا يعد هذا الفعل من الناحية القانونية جريمة ضد الإنسانية وهي لا تسقط بالتقادم لمرتكبيها.
ورغم تجريمها، لم يتوقف المتمردون عن استعمالها وبكثافة، فهم لا يعيرون القوانين والمعاهدات أي اعتبار. وقد زاد الصمت الدولي على جرائمهم من صلافتهم وتعنتهم.
هذه الميليشيات عاثت في الأرض فسادا ونشرت الفوضى في البلاد، فهم يحاولون عدم ترك أي شيء سليم من خلال التركيز على زرع الألغام والعبوات المبتكرة، وهذا فيه إضرار ليس على الممتلكات والمرافق الحيوية فحسب، وإنما على العناصر البشرية أيضا التي هي الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات البشرية، فهم يزرعون قاتلهم الملعون بطرق غير نظامية ومحرمة دوليا مما يجعل أمر الوقوع في شركها سهل خاصة بعد تفننهم في ابتكار طرق تمويهها.
وسبق للمقدم الركن السعودي عادل الربيع أن ذكر منذ نهاية عام 2017 أنهم عثروا على عبوات ناسفة وألغام مموهة لا تخطر على بال أحد، فهي تأتي على شكل علب ماء وعلب مشروبات غازية وعلى شكل فلاتر زيوت، كما أنهم يستخدمون الأواني المنزلية في زراعة العبوات مشيرا إلى أنهم وجدوا العديد من المنازل في المناطق الحدودية مفخخة بشكل كامل.
طرق وابتكارات غريبة وعجيبة كدرت الحياة في اليمن، لكن بفضل مجهودات الأطراف المعنية بنزع الألغام وعلى رأسهم مشروع مسام أنقذت العديد من الأرواح من بطش شياطين الموت.
فقد تمكنت الفرق الميدانية التابعة للمشروع من إزالة 2209 لغم وذخيرة غير منفجرة خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر، ليصل بذلك مجموع ما تم نزعه خلال أكتوبر إلى 10820 وليرتفع إجمالي الألغام والذخائر المتفجرة المنزوعة منذ بداية المشروع إلى 102209.
إن الحوثيين يضعون بصمتهم القاتلة أينما حلوا وارتحلوا مخلفين وراءهم دمارا غير مسبوق وبذور موت تتربص بالأبرياء في كل لحظة. هذا العمل الإجرامي يجب أن يواجه بإجراءات صارمة ورادعة لهذه الفئة الضالة.