شاب يمني يقف على أطلال أيامه، ينبش في ذكريات الماضي القريب حيث كان يغدو ويروح وكله أمل في غد أفضل، يمشي مستقيم القامة لا يحسب لخطواته حساب لأنه رسم حلما ويسير نحوه بخطى ثابتة.
تعلم منذ الطفولة أن يمشي بروية أو يحث الخطى أو يركض، كسائر أقرانه ليحصل على ما يريد، فالأحلام لا تتحقق إلا إذا مضينا نحوها بعزم وثبات. هكذا شب وكبر وبات في ربيع العمر حريصا ألا يحيد على دربه حتى يكون النجاح حليفه.
لكن ومنذ أن حلت الألغام في اليمن وتفشت وظلمت وقهرت وأعجزت وقتلت، تغيرت فلسفة الحياة لدى هذا الشاب وبات يحسب خطواته كسائر اليمنيين الذين يعيشون في مستنقع مفتوح من الألغام، بات يعلم أن خطوة خاطئة على وجه نقمة الألغام، قد تكلفه حياته أو تبقى عليه عاجزا طول حياته.
وفعلا حدثت الكارثة، رغم أن هذا الشاب حرص على حبس خطواته وحسابها، إلا أن شيطنة الألغام كانت أكبر بكثير من حذره، وفتكت به على حين غرة.
حينها انهار العالم من حول هذا الشاب الطموح، فكل شيء تعطل في حياته إلا نبضه الذي أبقاه على قيد الحياة، فأطرافه بترت وحياته شلت تماما، ولم يبق له سوى الذكريات وحزمة من أحلام كان ينوى تحقيقها وعجز كبير يثقل كاهل أيامه ويلجم طموحه، وقهر يحفر فيه عميقا دون أن يغادره.
حال هذا الشاب اليمني هو غيض من فيض مآسي اليمنيين مع الألغام سواء أكانوا أطفالا أو شبابا أو كهولا أو شيوخا، نساء أو رجالا، فالمصاب واحد والوجع متفرق الوجهات وطعمه شديد المرارة.
واقع هذا الشاب لا يختلف عن مصير ذاك المدني الذي أصيب بانفجار لغم أثناء مروره، بسيارته في طريق ترابي بمديرية حيس جنوب محافظة الحديدة، حيث أفادت مصادر محلية أن لغما من مخلفات الميليشيات انفجر بسيارة المواطن محمد أحمد زهير، من أهالي قرية الدنين جنوب مدينة حيس، مما أسفر عن إصابته إصابة بليغة في قدمه وتدمير السيارة.
ولفتت المصادر إلى أنه تم نقل المصاب إلى مستشفى الخوخة لتلقي العلاج والإسعافات الأولية اللازمة.
وتعد مديرية حيس من أكثر المديريات المنكوبة في الساحل الغربي بالألغام. وتشكل حقول وشبكات الألغام الحوثية كابوسا يؤرق المدنيين في مديريات الحديدة، كما أنها تشكل عائقا أمام عودة آلاف الأسر النازحة إلى مساكنها ومزارعها.
مشاهد ومآسي تحبس الأنفاس عبر عن التأثر العميق بها، مشهد ذاك الطفل اليمني الذي تسمر جنب أطلال سيارة محمد أحمد الزهير التي أبادتها الألغام، حيث عجز عن الكلام ولم يحرك ساكنا واكتفى بالنظر بدهشة لصنيع الألغام في أهلك وذويه ووطنه، وهو مشهد اغتال طفولته في الصميم.