الأخبار
بين أطفال اليمن وطفولتهم، حقول شاسعة من الألغام العشوائية الغادرة، وبينهم وبين الابتسامة مشاهد انفجار عاشها العديد من هؤلاء اليافعين على حين غيرة. واقع طغت فيهم المخاوف على عفوية الطفولة وانطلاقتها، وشحبت فيه ابتسامة هؤلاء الصغار، حتى غابت عن الكثيرين منهم.
فالأطفال عادة ما يضحكون ويقهقهون حينما يطلقون العنان لأنفسهم للعب والشغب والركض والتسابق وغيره، وكل هذه المسائل بالنسبة لكثير من أطفال اليمن ممن أقعدتهم الألغام في زوايا العجز وقيود الإعاقات، بات رفاها لا يقدرون على تحصيله، وحلما زئبقيا، كلما حاولوا الإمساك به انفلت بين أصابعهم، فهم يفتحون أكفهم الحياة، فتنساب طفولتهم من بين أصابهم كمياه فارة من أكفهم نحو أرض عطشى للدم.
فاللعب واللهو والابتسامة أحلام غادرت الكثير منهم واستوطن محلها الوجوم والملل والحسرة على طفولة ضائعة، وأحلى أيام العمر أيام الصبا، وأبشع جرائم العصر أن تغتال هذه الأيام وتحذف من سجلات طفل ما بأشرس الأسلحة الماكرة، الألغام.
وهذا حال العديد من أطفال اليمن التي تشهد تلك الربوع تصاعدا كبيرا في عدد ضحايا ألغام المليشيات الحوثية في عدة مناطق، لاسيما في الساحل الغربي، حيث خلفت المليشيات حقولاً من الألغام المتنوعة، الساعية لاستهداف المدنيين.
وفي هذا السياق، بين قائد الفريق السابع عشر مسام في الساحل الغربي، المهندس حسان الجهوري، في تصريح لمكتب مسام الإعلامي، أن عدد ضحايا الألغام في الساحل الغربي وصل إلى 2500 شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء، والشيوخ حيث تزرع الميليشيات الألغام بشكل عشوائي ولا يهمها من الذي سيتضرر، على حد قوله.
مآسي تطوف بأجنحتها على مناطق عدة في اليمن، وعلى سبيل المثال لا الحصر نضيء على معاناة طفل في مديرية الدريهمي في الساحل الغربي، حيث يعيش الفتى أحمد سالم، وهو أحد ضحايا الألغام، مع أسرته مقعدا بعد أن بترت إحدى قدميه بانفجار لغم، وضعتها المليشيات في منزله.
فاجعة لم تكن في حسبان طفل عاد مع أسرته إلى منزله بعد أشهر من النزوح الإجباري، فقد عاد أحمد إلى بيت العائلة، وكله أمل في استراد أيام اللهو والمرح مع رفاق الحارة، لكن لغما غادرا زرع داخل البيت حوله إلى طائر صغير مكسور الجناح يجر أذيل الخيبة وتسكن الهموم أيامه مبكرا، بعد أن منعته اعاقته من مواصلة تعليمه والذهاب الى المدرسة، وأصبح يعتمد على من حوله في إسناده لقضاء حوائجه.
فالطفل أحمد غيض من فيض المآسي في الربوع اليمنية التي تسكنها الطفولة في أسوأ حالات المرارة بسبب صنيع الألغام بها بين قتيل ومقعد وأسير المخاوف والهواجس، فرغم الجهود التي يبذلها مشروع “مسام” لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام وتحقيقه نجاحا مميزا بنزعه لأكثر من 170 ألف لغم وعبوة ناسفة منذ انطلاق المشروع، إلا أن التهديد ما زال قائما وكبيرا بسبب كثافة الألغام وتعدد أشكالها وأنواعها وانتشارها على مساحات شاسعة في اليمن بطرق عشوائية دون خرائط إيضاحية. ألغام تغتال ابتسامة طفولة اليمن في مهدها.