لقد كتب محمود درويش “على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. على هذه الأرض سيدة الأرض ما يستحق الحياة”، وكأنه رأى ما لم يره الكثيرون. سنوات عديدة مرت على هذه الكلمات التي انسابت من قلم درويش لتتخذ شعارا للحرية والوطنية وتدفع المؤمنين بها إلى التمسك بحقوقهم والمحاربة من أجلها إلى حد الموت.
نعم على هذه الأرض ما يستحق الحياة، فاليمن أصل الحضارات ومنبع الهيبة والشموخ رغم الأوجاع التي تراكمت في كل الطرقات، فأراقت دمع الأمهات وأثقلت القلوب بهموم لا تنتهي وأبكت الرجال على حال أسرهم.
أجيال بأكملها فقدت البوصلة إثر ما آل إليه الحال في بلادهم من دمار وتشتت وموت متربص بهم متواريا بين طيات الأرض. اليمني، منذ ست سنوات ونيف، لم يعد يرى لا الزهر ولا الشجر ولا الثمر حيث غدا ليله نهارا ونهاره ليلا فقد تساوت اللحظات في وجعها وقضى الفرح نحبه على أعتاب الأيام التي مضت ومازالت تمضي واليمن وشعبه يرزحون تحت وطأة جماعة متمردة إرهابية رأت في القتل والتخريب حياة لها.
إحصائيات وأرقام صادمة عن واقع اليمن لكن أفظعها وقعا هو ذاك المتعلق بزراعة الألغام التي أحالت البلد الذي وصف تاريخيا بـ”السعيد” إلى أكبر دولة ملغومة منذ الحرب العالمية الثانية. وتحضر ميليشيات الحوثي كطرف وحيد مسؤول عن زراعة هذا السلاح الغير إنسان في مختلف مناطق اليمن وبحاره كجزء من استراتيجيتها لإخضاع اليمنيين وتعبيد الطريق نحو الحكم. فهي لم تستخدم هذا العدو كآلية للدفاع أو الهجوم بل لإرهاب السكان المحليين.
هذا القاتل يقبع تحت رمال الصحراء ووسط الطرقات وداخل المدارس وقرب مصادر المياه على استعداد للانفجار بلمسة صغيرة التي سوف تخلف حطاما كثيرا في الأرواح قبل الأجساد.
لكن ما يخيف اليمنيين أكثر هو أن أماكن هذه العلب المنفجرة التي نشرها الانقلابيون في اليمن غير معروفة لذلك ستظل تمثل تهديدا لسلامة أبناء هذا الوطن لسنوات قادمة.
هذا حال اليمن مع هذه الميليشيات القمعية التي تعد من أسوء الأشواك العالقة في حلق المواطن اليمني وأحد الخناجر المغروزة في خاصرة البلد الذي يعاني الأمرين منذ ما يقارب السبع سنوات من الإجرام الحوثي المشبع بالحقد والكراهية والعمالة.
سيناريوهات عدة والمصير واحد، أشكال تخف مختلفة ارتدتها فخاخ الموت الصامتة التي أجهزت على ضحاياها على حين غرة ودون رحمة. قصص كثيرة وواقع دامي خطته ميليشيات الحوثي، لكن كان لفرق مسام رأي آخر حيث كرست كل خبراتها لإزالة هذا الوحش القاتل عن طريق المدنيين لأنها تعلم تمام العلم أن كل يقضيه قابعا في أديم الأرض يعني ضحايا أكثر ودمار أكبر.
كل شخص في هذا المشروع الإنساني يعمل على إزالة المتفجرات يعلم أن حياته في خطر لكنه يواصل السير بين الموت باحثا عن الحياة عن طريق إزالة الألغام ومساعدة الأهالي على استعادة السير العادي لحياتهم والعيش في أمن وأمان وسلام.
وقد استطاع فعلا تحقيق ذلك بعد أن طهر عديد المناطق من السم المنتشر فيها فدبت فيها الحياة من جديد ورسمت البسمة على شفاه الأطفال وثغور النساء ومحيا الرجال. فقد استرجعوا أحياءهم وعادوا إلى منازلهم وأحيوا ذكرياتهم التي سلبت في وقت من الأوقات منهم.
مشروع مسام في حالة استعداد دائم للتحرك إزاء أي خطر يهدد المواطنين، فهو الساعد الذي يستند عليه اليمنيون ليخرجوا من المستنقع الذي رمت بهم الميليشيات الحوثية فيه.