الأخبار
من أصعب الأحاسيس التي قد يمر بها المرء، العيش مشردا في بلاده، نازحا بين أسواره محاولا اقتفاء أثر الأمان بين جنباته.. إحساس صعب للغاية، فالوطن عادة هو الحضن الدافئ ووعاء لم الشمل ونبع الشعور الصادق بالأمان والانتماء. لكن حينما تصادر السكينة والهدوء والطمأنينة من وطن ما بسبب مكائد الغدر، يصبح هذا الوطن المكلوم في أمنه غير قادر على توفير ما ينتظر منه من مشاعر لأفراده بسبب ما ألم به من أذى.
وهذا حال المواطن اليمني علي أحمد عبدالله مع وطنه، الذي سلبته الألغام أمنه، فوجد علي أحمد نفسه مرغما على العيش داخل أسوار وطنه نازحا باحثا عن مكان آمن، له ولعائلته.
وهذا ليس حال علي أحمد فقط وإنما الكثير من اليمنيين الذين حال بهم ما حل بعلي، والذي دفعه انتشار الألغام في مسقط رأسه الى النزوح وترك داره ودياره والعيش في خيم مرتحلا بين الدروب بحثا عن مكان يؤويه بسلام مع أسرته.
وبعد طول انتظار في غياهب النزوح لم يستطع على أحمد الاستمرار طويلا في العيش في مكان مقامه مرتحلا، ولم يستطع طرد رغبته الجامحة في العودة لبيته وحيه وأرضه وأهله، فانتمائه لذاك المكان تغلب في النهاية على خوفه من سيناريوهات الرعب التي ترتسم في ذهن كل يمني حيال الألغام.
وفعلا عقد علي أحمد العزم للعودة إلى قريته كاظما مخاوفه ورابطا على جروحه ومكابرا على هواجسه حيال فخاخ الموت المتفجر، والتي لم تتردد فعلا في الفتك بعلي ومن معه في مشهد درامي لطالما حاول هذا الأخير طرد ملامحه من مخيلته على أمل العودة لمسقط رأسه بسلام.
فلغم غادر خيب آمال علي أحمد على تخوم قريته، فقتل منهم من قتل وخسر علي أحمد إحدى قدميه في مشهد درامي يفطر القلوب، والذي لطالما عمل هذا الأخير جاهدا على طرد ملامحه من خياله، حتى رآه واقعا ماثلا أمامه.
ورغم هذا الواقع المأساوي تمسك علي أحمد بحلمه في العدوة لبيته وقريته أكثر حينما علم بأنها قد تم تأمينها من قبل فرق مشروع مسام لنزع الألغام.
ولم ينجح هذا اللغم الغادر في قهر فرحة علي أحمد وهو يعاود وصال قريته التي نشأ وترعرع فيها ومنها أصر على مواصلة مشوار الحياة، برجل مبتورة لكن بإرادة قوية على ركوب قاطرة الحياة، لأن الحياة من منظور علي أحمد تستحق التضحية حتى الرمق الأخير.