الأخبار
“سمية ناجي النعيمي” راعية أغنام في جبال “بني فرج” بمديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، كل يوم تطلق أغنامها وترافقهم في رحلة الكلأ وكسب القوت من خلال إطعام مواشيها من خيرات هذه الجبال وجمع ما تسر من الحطب.
لا شيء يشغل بال سمية سوى البحث عما يسد رمق جوع أغنامها، فهم مصدر قوتها، لذلك بادرت عندما أحست أن نيران المواجهات في تلك المنطقة انحصرت ودب الهدوء في المنطقة، بإطلاق العنان لنفسها للرعي بأغنامها وجمع الحطب بعد إحساسها بشيء من الطمأنينة، لكنها لم تكن تدري أن موتا كامنا تحت الثرى يترقب مرورها ليفتك بها.
وبينما كانت تردد أهازيج اعتادت كغيرها من الراعيات أن تتغلب بها على وقت الرعي الطويل، دخلت “سمية” التي تبلغ من العمر 35 عاما حقلا للألغام التي زرعتها ميليشيا الحوثي في الجبل، داست على أحد الألغام لينفجر بها ويلقيها غارقة في دمائها، تحول النغم إلى آهات والأنس إلى آلام مبرحة وسالت دماء سمية بسخاء حتى روت التراب من حولها.
صوت الانفجار المدوي قرع مسامع زوجها، فانتابه إحساس عميق بالخوف ودرات في رأسه مئات الأفكار المتداخلة وهرع لتفقد زوجته التي وجدها غارقة في دمها تصارع الموت، وما إن اقترب منها مسرعا حتى كان أحد الألغام أقرب إليه منها، لينفجر به هو الآخر ويلقيه مضرجا بدمه ومثخنا بجراحات لن يبرأ منها.
ظلت سمية وزوجها في شراك جراحهم حتى أتى المسعفون، حيث نقلا إلى أحد مشافي مدينة صنعاء، لكن سمية لفظت أنفاسها الأخيرة بعد ساعات، وتركت زوجا معاقا، تسبب انفجار اللغم ببتر إحدى قدميه وإصابته بجروح عديدة، فباتت العائلة دون أم وبأب عاجز إضافة إلى ثلاث بنات وولد تركوا لمواجهة قسوة اليتم ومرارة الحياة.
وفي المحصلة كتم اللغم الغادر أهازيج سمية العذبة وحرمها حلاوة الحياة وأردى زوجها عاجزا وأدخل عائلتها في نفق مظلم من اليتم والحاجة والوحدة والعذابات الطويلة، لكن هذه العائلة المكلومة ليست الوحيدة، فما هي إلا واحدة من بين أنس عديدون نال منهم جور الألغام كثيرا، حيث عرفت منطقة “بني فرج” أيضا العديد من القصص المؤلمة حيث فتك لغم بشخصين كان أحدهما يمشي في الجبل حين وقعت قدمه على أحد الألغام، الذي أفقده إحدى ساقيه ويده وألقاه أرضاً، بينما انفجر لغم بصديقه الآخر فأفقده ساقيه وأصابه بجروح مختلفة في جسده.
كما كان “وادي محلي” على موعد مع مجزرة أخرى، بعد أن صعد ثمانية من أبناء المنطقة إلى “جبل القتب” و”كيال الرباح” ودخلوا في أحد حقول الألغام، فانفجر لغم بأحدهم وحاول الآخرون النجاة، لكنهم كانوا قد توغلوا أكثر في حقل الألغام، لتتوالى الانفجارات وتودي بحياة سبعة منهم وإصابة الثامن.
جبل تحول إلى مقبرة لكل من يدوسه وأرض لتفريخ العجز والآلام، فشهية الموت والتدمير في هذه الأرجاء مفتوحة للغاية، تحركها بنهم فخاخ الموت التي زرعها العدو دون خرائط ولا منطق، فإيديولوجيته العشوائية المتعطشة للدم هي خريطته الحقيقية التي تعكسها بدقة هذه الألغام المهلكة.