
في اليمن، أصبح الموت شيئا مألوفا، والدموع شيئا محبوبا. الشوارع تحن لأجساد لامستها فأعطتها دفئا. النساء هناك صرن عاجزات عن ولادة الأطفال وأصبحن يلدن الآلام لتنساب دموعهن مدرارا كل لحظة وتعانق وجناتهن.
في اليمن، ترقص الأوجاع على الأجساد وتفوح رائحة الموت من كل زاوية. لقد أجبر الانقلاب اليمنيين على تشييع بعضهم البعض. فمن تلمح صورته معلقة على جدران منزله كان بالأمس يودع صديقا أو ابنا أو أخا انفجر في وجهه لغم فلم يبق منه إلا أجزاء متناثرة من جسده الذي أنهكه الجوع والخصاصة والمرض.
الجميع هناك معرض لذات الخطر، يهرب من المصير عينه إلى مجهول غامض ينتظر كل واحد منهم، لا يعلم أي منهم هل سيعيش لخطوة أخرى أم أن خطوته التالية ستحدد نهايته.
ولليمنيين مأساة تاريخية مع الألغام لكن حقبة الحوثي كانت أكثرها قسوة وشراسة حيث احتل هذا العدو مساحات شاسعة.
ولعل هذه الإشكالية تعد السبب الرئيسي في هجرة ونزوح الآلاف هربا من جحيم تلك العلب القاتلة التي زرعتها الميليشيات الحوثية حتى غصت بها الجبال والوديان والمزارع والطرقات وحتى المنازل والصحراء… ليصبح هذا البلد أكبر حقل ألغام عرفته منطقة الشرق الأوسط، وحسب المراقبين، فإن هذا الفصيل يعتمد على زرع المتفجرات والألغام المحرمة دوليا ليس دفاعا عن النفس بقدر ماهي سياسة ممنهجة من أجل استهداف الأبرياء وإيقاع أكبر قدر من الضحايا كسياسة انتقامية من المدنيين في ظل نزيفها المستمر في صفوفها وخسائرها اليومية التي تقدر بالعشرات إضافة إلى عدم قبول المجتمع لها في المناطق التي تدخلها وتجبر على الانسحاب منها، وهو ما دفعها إلى زراعة الألغام في الأحياء السكنية والطرقات العامة والآبار غير مكترثة بأي مخاطر تحدق بحياة المواطنين.
في المقابل، يعمل مشروع مسام على تفكيك ونزع شبكة الألغام والعبوات الناسفة التي تهدد حياة المدنيين وذلك لحماية الأنفس وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية وتمكين اللاجئين من العودة إلى مساكنهم. وهو ما أكده إنجاز الفرق الهندسية للمشروع في محافظة شبوة، إذ استطاعت تأمين أغلب المناطق الزراعية التي تعتبر المصدر الرئيسي لمعيشة أبناء شبوة الذين تمكنوا من استصلاحها واستئناف زراعتها بأمان.
بفضل جهود عاملي مسام استعادت مساحات كبيرة من اليمن دورها الاستثماري والفلاحي، مما بعث الأمل من جديد في نفوس ضاقت ذرعا بهذا المحتل الذي عصف بأرواح أحبائهم وضيق عليهم الخناق حتى ظنوا أنه لا مفر منه.